«الفيس بوك» فضاء للتعبير وصنع الأحداث ..و باب للاعتزال

مصطفى المتوكل الساحلي

أصبح «الفيس بوك» زاوية وفضاء للتعبير وللاعتكاف، يهرب ويلجأ  إليه من الواقع مئات الآلاف بل الملايين من الناس،  للتواصل فيما بينهم ونشر كل ما يريدون  كتابة وبالصور وبالفيديوهات. فمنهم من جعل صفحته  ناديا  أدبيا وعلميا أو فنيا أو كل ذلك ..ومنهم من جعلها موقعا لإطلاق الإشاعات والسب والقذف والإساءات، ومنهم من حولها إلى واجهة سياسية عامة أو حزبية أو نقابية أو جمعوية ..أو منصة إعلامية شخصية، فبسبب  السياسات المغضوب على نتائجها وغير المرضية، واعتبارا لاختلال قيم العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتغول الفوارق الطبقية، وتفكك منظومة التعليم والقيم، وتردي القدرة الشرائية، وقلة فرص الشغل والتشغيل.. إلخ..  تحول «الفيس بوك» إلى منبر من لامنبر له، وملجأ لمن لم يستمع أحد لقوله ورأيه ومطلبه..
..إنه فضاء إعلامي عمومي شعبي يفرض نفسه في المجتمع وبالمشهد العمومي يوما بعد يوم يتفاعل فيه وبه ومعه سكان  الوطن والعالم. إنه يمتلك قوة تحويل موضوع جزئي وشخصي أو فئوي أو حدث ومسألة تهم الناس  إلى قضية رأي عام وقضية دولة، وهنا ضرورة أن يجيب كل من تعنيهم أمور الشعوب على سؤال غالبا مايطرح، ألم تدركوا  أنكم لايسمع بعضكم بعضا ولاتستطيعون التواصل بشكل جيد  يترجم  نبض المواطنين والمواطنات ويحوله إلى أجوبة وحلول  تجعل العمل المباشر  الميداني منسجما مع التطلعات والمتمنيات عبر عنها أصحابها بمطالبهم ورسائلهم وشكاياتهم وعرائضهم وبياتهم بالطرق التقليدية والتي تظهر جلية في الواقع نفسه، أو بسطوها بفضاءات التواصل الافتراضي..
إن حساب تدبير الوقت إلى الأمس غير البعيد كان يعتمد على التصنيف التالي: الثلث للنوم ،والثلث للعمل، والثلث لباقي الأنشطة والهوايات والاهتمامات الشخصية أو المشتركة مع الناس ..واليوم أصبح «الفيس بوك» هو الزمن الافتراضي  الذي تتقلص معه  حصة النوم، وساعات العمل،  وفترات الأكل ..ويستغرق جل الوقت الثالث  لدرجة تحول معها إلى حالة من الإدمان جعلت  الاعتزال والاعتكاف  الفيسبوكي  ظاهرة سلبية لم يتم التعاطي معها بجدية علمية لخلخلتها وكشف أغوارها ومكنوناتها  باعتبار الآثار المتعددة التي تنتج عنها إيجابا وسلبا والتي تؤثر على الأسرة والعلاقات العامة والأنشطة الإنسانية الفردية والجماعية ..الخ
لقد نجح من يقف وراء خبراء الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي  فيما لم تفلح فيه الهيئات والمؤسسات  وبجعل الناس ينضبطون ويتفاعلون وينشرون بفرح وبهجة وانتشاء كل الأخبار والأسرار والمعلومات والصور  ومشاعر الفرح والغضب والحزن  وحتى الخصوصيات والأسرار التي كانت الدول تجند من أجل الحصول عليها   وكالات استخباراتية تضم المختصين من الرجال والنساء، وتدعم بالأموال الطائلة للوصول إلى المعلومات التي توظف وتستغل على أكثر من وجه لتحقيق أهداف ومخططات لها علاقة بسير الأمور  وانضباط الأوضاع ، وبمستقبل وهيبة  ومصالح الدول الوطنية  والقومية والإستراتيجية..
إن واقع حال الناس أصبح لسان حاله كمن يقول  لاملجأ  ولا منجى عند الناس إلا في «الفيس بوك»، لاترتاح ضمائرهم حتى يعترفوا ويسروا بكل ما يفكرون ويريدون للعتبة الفيسبوكية التي يرفعون إلى -جنابها الموقر كل أمورهم لأن أبوابه مفتوحة على مصراعيها وبدون بواب ولا بروتوكول ولا بيروقراطية ولاغرور بشري،  حيث يتساوى في رحابه  الحاكم والمحكوم، الأمير والغفير، الغني والفقير، الزعيم والأتباع، المؤمن والملحد ..إلخ
إنه وبسبب تهميش وإضعاف أدوار المؤسسات الرسمية والمجتمعية وتحقير وتعطيل المبادرات المجتمعية ..شكل الفيسبوكيون  أحزابا ونقابات وتنسيقيات ولوبيات افتراضية بسطت نفوذها وتأثيرها المعنوي  في المجتمع  لسد الفراغ في التأطير والتكوين والمواكبة للناس وقضاياهم ومطالبهم، وجعلتهم يحدثون صيغا وتعبيرات نضالية واحتجاجية جديدة ومثيرة للاهتمام موظفين في ذلك أسرع وأبسط طرق التواصل التي تحول التدوينات إلى مبادرات ملموسة تؤثر حتى في السياسات العمومية والقرارات..، إلا أن الإشكال الذي يطرح عند الفيسبوكيين والفيسبوكيات وعند الدول هو هل يمكن لدينامية الحراك المجتمعي  بالفضاء الافتراضي أن تفرز قيادات وزعامات ميدانية ببرامج وتصورات وخطط بديلة  قادرة على التحكم في مسارات ومآلات ونتائج  أي حراك حتى لايبقى عشوائيا ويفرز نتائج عشوائية ..من أجل ان يتمكن من خدمة الإصلاح والتغيير الذي يرتضيه الناس ويقوي الدولة ديمقراطيا وحداثيا وعدالة اجتماعية …إلخ ..
…إن العديد من القوى  صنعت جيشها الإلكتروني والذي غالبية أعضائه  خياليين  ليخوضوا بهم معارك ويثيروا صراعات  التي  يتسللون بها  إلى المبادرات الإيجابية لتمييعها  قاصدين التحكم في  مراكز المعلومات والقرار لبسط نفوذهم وتسلطهم على الجميع..
إن قوة دور مواقع التواصل الاجتماعي جعلت زعماء العالم والعديد من السياسيين  ..يفتحون هم أيضا صفحاتهم ينشرون فيها تدويناتهم وتغريداتهم التي لاعلاقة لها بقرارات دولهم ولا منظماتهم ، يقولون فيها نقيض ما يفعلون ، ويظهرون  وكأنهم مصابون بانفصام في شخصيتهم ،  يكتبون أحيانا ما يسئ إليهم وإلى شعوب وحضارات ودول  وهذا الصنف يشكل أكبر خطر على سكان الكرة الأرضية ..

تارودانت : الخميس 03 أبريل 2018.

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 04/05/2018