القواعد العشر في عشق الشعبوية

بديعة الراضي

نتفهم جيدا، عندما يبحث المدافعون عن طرق لتحقيق «القومة»، في كافة الواجهات باندفاع كبير، مسارعين الزمن الذي خانهم في المغرب، عندما حددوا ذات سنة خلت تاريخ إنزال القومة باسم شعب اعتقدوا أنه آلتهم التنفيذية في هذا الإنزال، عاملين في ذلك على توظيف الدين واستغلاله في جبهاتهم الداخلية والخارجية، غير آبهين لا بمصلحة الوطن ولا المواطن، جاعلين من الدين وحده ممارسة سياسية، و برنامجا، ضد إرادة حتى من يتقاسمون معهم هذا «الأمن الروحي» لكن بوسطية واعتدال، في بلد ينص دستوره على أن الإسلام هو ديانة المغرب،وأن إمارة المؤمنين هي من تدبره بشكل حضاري مؤسساتي احتراما للإنسان ولأمنه الروحي.
تحقيق «القومة» التي فشل فيها هؤلاء المندسون في أوساط مجتمعية –مع الأسف- مستغلون أوضاعا اجتماعية صعبة، وجهل تعمق بالفعل في مزيد من الفضاءات الهامة في بلادنا حتى الإدارية منها، ليحطوا الرحال بأوساط طلابية وتلامذية، جعلهم يمررون أجندتهم بحدث يمكن أن يكون عاديا في دول تسعى إلى تطوير اقتصادها والنهوض بأوضاعها الاجتماعية. وهو الحدث المتعلق باختيار الزمن الصيفي بالمغرب ، كزمن موحد طوال السنة، لاعتبارات تقدمت فيها الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، بدراسة عميقة ودالة نشرتها كافة المواقع والصحف، بعدما شكك في حضورها، نواب ركبوا حصانا خشبيا من الإفراط في الشعبوية، بمنبر تشريعي، كان بالإمكان، في زمن اليوم الذي نرفع فيه التحدي في البناء المؤسساتي، أن نمارس فيه العمل الرقابي للسلطة التنفيذية بكثير من الوعي لحاجة بلادنا في أن تكون صفا إلى جانب الدول المتقدمة التي بنت اختياراتها الصعبة بتطبيق الاستراتيجيات البديلة لبناء مستقبلها، تطلعا إلى التطور والتقدم، وبناء على محيطها الجغرافي إقليميا وجهويا ودوليا، في قراءة لمصلحة اقتصاد بلدها وسط هذا المحيط، في عالم أصبح فيه الزمن وتداركه بوابة حقيقية لإنعاش هذا الاقتصاد ومنهجا للتقدم والتطور.
لا يهم المهوسين بتحقيق «القومة « هذا الطرح في التفكير، لأنه طرح سيذهب عليهم «الهمزة» الممثلة في إبقاء الشعب مستضعفا مستعملا، إرضاء للإديولوجية الحقيقية المستعملة للدين الإسلامي، وهي الإديولوجية التي أذهبت العقول، التي وجدت مصالحها اليومية في خدمات الإحسان المنظم، الذي ينبغي أن لا يحاصر أمنيا فقط وبشكل مباشر، بل ينبغي أن توضع فيه إجراءات ، تعمل بلادنا اليوم على تفعيل قوانين بخصوصه، مما زاد خفافيش الظلام قلقا،متبوعا بالبحث عن أوساط مغايرة لخلق البلبلة،متربصين بقرارات التغيير المبنية على دراسات استراتيجية وهادفة،والتي -مع الأسف- لم تجد التأطير المنظم لتوعية المواطنين بأهميتها، كي نجعل من المواطن مواطنا يعيش الحياة الكريمة والعدل الحقيقي، لا مواطنا في قاعة انتظار فضاءات الإحسان التي سجلت أحداثا أليمة عشناها الأمس غير البعيد ، في الهامش المغربي، تلك التي كانت فيه فضاءات الإحسان منصة لإعدام عشرات النساء جئن سيرا على الأقدام من أجل الحصول على رغيف.
بالفعل نتفهم دوافع هؤلاء الذين حددوا مفهوم قومتهم ، وعرضوها في الإعلام بالبنط العريض في وجوهنا جميعا، نحن التواقين إلى بناء الدولة الوطنية الحداثية الديمقراطية، الدولة التي تصون مواطنتها وترفع التحدي من أجل وطنيتها بالتقدم والتطور، كما جاء على لسان أعلى سلطة في بلادنا ، والممثل في خلق بدائل ضمن نموذج تنموي جديد. لكن ما لا نتفهمه هو انخراط أسماء محسوبة على الصف الديمقراطي ، ولو كانت معزولة مع هؤلاء، مستعملة قيم اليسار، ومفاهيمه في ضرب العمل المؤسساتي في بلادنا تنفيذيا وتشريعيا ، كما تتفيه دولة المغرب العريقة في التاريخ ، وجعلها مجرد دولة تابعة، لا استقلال ولا قرارا سياديا لها، وأن الحكومة ضد الشعب، وعلى الشعب أن يرفض النظام ، وأن يعمل خارجه، و أن يهدم البرلمان، وأن يحرق مقر الحكومة، وأن يهدم أسوار القصر، ويتناسى هؤلاء المحسوبون على صفنا بشكل أو بآخر ، حتى بمنطق الفهم لقيم الدفاع عن المشروع المجتمعي، أنهم انخرطوا بالفعل بقومة تفننت خفافيشها في قلب اللعبة بعدما أقروا في وثائقهم أن القومة هي « الطاعة للصف وقيادة الصف النابعة من باعث إيماني ومشاركة طوعية إرادية، أما الثورة فمنبع الطاعة فيها الانضباط الحديدي للصف الإديولوجي المحرك، بهدف تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وقد تثمر سياسيا استبدادا جديدا بوجوه جديدة»، وهو منطق يضرب في عمق ثورة المغاربة الممثلة في دستور 2011.
لهذا نقول لتلاميذ وتلميذات الصف الإديولوجي في قبة البرلمان، وفي المنابر المتاحة جدا لممارسة الشعبوية التي لا تحتاج أي مجهود فكري أو سياسي، أن قواعدكم العشر في عشق هذه الشعبوية، لا يمكنها أن تنتج إلا خطابا منحازا بدون وعي إلى هذه القومة، التي تعي انكساراتها في مغرب العمق الحضاري والتاريخي، المغرب المشدود إلى عوامل تاريخية رسخت دولته التي انبنت على مسيرات وانتقالات في الديمقراطية وحقوق الإنسان والانجازات التنموية ، التي نخير اليوم في بدائلها ، بوعي أننا نسعى إلى مستقبل أفضل لبلادنا، وهي الدولة التي لم ترضخ في أعلى سلطتها، لقرارات الآخر ، سواء في أمريكا أو أوروبا أو الخليج ، تلك التي رأت فيها أنها غير منسجمة مع قرارات المغرب المستقلة والسيادية.
نوضح هذا الجانب ، مضيفين أن قول الحقيقة للشعب هو جزء أساسي ومهم من التفكير في كافة مطالبه المشروعة بإيمان فعلي أن مؤسسات البلاد منصهرة في خدمته وتدبير تطلعاته ، بأساليب بعيدة عن القومة وعن القواعد العشر في عشق الشعبوية.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 12/11/2018