الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في مؤسسة الفقيه التطواني; قراءة في الأجوبة -جدلية الشكل والمضمون-
عبد السلام المساوي
الأستاذ إدريس لشكر حل مساء الأربعاء 21 أبريل 2021، ضيفا على مؤسسة الفقيه التطواني ضمن سلسلة حلقات رمضان بعنوان «برامج الأحزاب السياسية بين رهان الانتخابات وانتظارات المجتمع».
قراءة في أجوبة-خطاب الأستاذ إدريس لشكر؛ القطع مع:
1-الشعبوية والعدمية
الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول، قدم في هذا اللقاء العرض السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي يتوخى من خلاله تدبير المرحلة المقبلة. ببساطة لأن غياب عروض سياسية مغرية من شأنها جلب المواطن للمشاركة لإبداء رأيه حول مستقبل البلاد، ليس له من معنى سوى إعطاء هدايا مجانية للشعبويين والعدميين وأصحاب «الركمجة» الحقوقية وإكسابهم أرضيات جماهيرية لا يستحقونها بالمرة.
إن مهمة استعادة المواطنين من أحضان الشعبوية والاغتراب السياسي والعزوف والكيانات المسمومة تبقى هي السبيل الوحيد والأوحد لإضفاء المعنى السياسي على الاستحقاقات المقبلة.
نريد أن تكون انتخابات بعروض سياسية واضحة وواقعية وقابلة للتطبيق وتهم الحاجيات الأساسية للمواطن، وقد تابعنا الليلة العرض السياسي العقلاني والواقعي الذي قدم معالمه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر الذي لا ينتظر زمن الحملات الانتخابية لإطلاق وعود وهمية محاطة بسياج من الأكاذيب…
إن الشعبوية كما العدمية، كلتاهما تمثل عجزا عن إنتاج بديل سياسي واقعي بأرقام واضحة وأجندة زمنية محددة، وتعكس سياسة الهروب إلى الأمام في وجه تقديم أجوبة للطلب المجتمعي، فيأخذ الحل شكل اللجوء إلى خطابات غارقة في التزييف من دون بدائل حقيقية للمجتمع والدولة.
المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس إلى بوليميك فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال…
المغاربة محتاجون إلى أجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد، وليس إلى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكن لا يغير أحوالهم نحو الأفضل….
نسجل أن تدخلات وأجوبة الأستاذ لشكر على أسئلة الصحافيين، الذين أبانوا عن مهنية عالية بعنوانين بارزين؛ الحرفية والموضوعية، تشكل خطابا متماسكا ومتناغما تحكمه وحدة الفكر ووحدة الرؤية…
تشكل خطابا مؤسسا على ثوابت مبدئية وقناعات سياسية…
تشكل خطابا أصيلا متأصلا يجمع مكوناته ناظم مشترك هو المشروع الاتحادي، الاشتراكي الديموقراطي الحداثي…
تشكل خطابا، أساسه هو الإرث الاتحادي النضالي وبوصلته هو التفكير الاتحادي المبدع والمستقبلي….
تشكل خطابا حيا متجددا، الجديد الذي يحكمه قانون نفي النفي الجدلي، الجديد الذي يظهر من جوف القديم؛ الجديد الذي يعني الاستمرار والتطور والتجاوز، لا الجديد الذي يقطع مع القديم بالمعنى البنيوي…
تشكل خطابا عقلانيا، بعيدا عن حماس وانفعالات اللحظة؛ خطابا عقلانيا واعيا وهادفا يحاصر الشعبوية التي تروم السيطرة على الوجدان بخطاب عاطفي مغالطي والذي تأثيره مؤقت في الزمان والمكان…
تشكل خطابا متناسقا منطقيا، تشكل بنية، فبالرغم من أن أجوبة الكاتب الأول قاربت مواضيع وقضايا متعددة ومختلفة، فإنها موحدة من حيث الثوابت التي تحمي من الوقوع في التناقض… التناقض الذي وقع ويقع فيه الكثير من الزعماء السياسيين الذين يسقطون في التناقضات من مناسبة إلى أخرى….
الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لا يلغو؛ يتكلم ولا ينسى أنه يفكر، يفكر ولا ينسى أنه يتكلم، يجيب بهدوء وثقة، مستلهما تاريخ الاتحاد الاشتراكي في المسار والصيرورة ومستحضرا التجربة الذاتية الضاربة جذورها في السبعينيات….
إن كل متتبع للخطاب السياسي ببلادنا، لابد وأن يخرج بخلاصة سياسية ودالة؛ مفادها أن كل الساسة والمحللين والإعلاميين والمعلقين السياسيين… لم ولن يستطيعوا الخروج من الخطاب السياسي الاتحادي ومن النسق المفاهيمي الاتحادي؛ يفكرون ويتكلمون لغة اتحادية، حتى وإن كانوا يفتقدون إلى الشجاعة الأخلاقية والنزاهة الأخلاقية التي تجعلهم يرتقون إلى نبل الاعتراف بإبداعات ومبادرات الاتحاد الاشتراكي فكرا وممارسة… بل أنذل من هذا، عندما نستمع إلى بعضهم أو نقرأ لبعضهم الآخر، ونلاحظ كيف تتم قرصنة خطاب ومفاهيم الاتحاد الاشتراكي، ومنهم من يحاول أن يوهمنا بأنه منتج هذه الأطروحات السياسية بعد أن يتم إفراغها من حمولتها وتوظيفها خارج السياق…
لا أحد، الآن وغدا، يجادل بأن الاتحاد الاشتراكي ناضل وعمل من أجل الارتقاء بالسياسة، خطابا وممارسة وتنظيما، وأغنى الحقل السياسي بأدبيات سياسية رفيعة ومفاهيم دقيقة ومعبرة… مفاهيم ارتقت بالخطاب السياسي ببلادنا من خسة الألفاظ الغارقة في الشعبوية إلى رفعة المصطلحات المؤسسة على التفكير الفلسفي والعلمي، بعد تنقيتها وتطهيرها من شوائب والتباسات اللغة العامية والاستعمال اليومي.
إن الخطاب السياسي الاتحادي يتم إنتاجه داخل اللغة العالمة وبمنهجية علمية… ومنذ البداية، عمل الاتحاد الاشتراكي على تأصيل الخطاب وتجديده، وإنتاج المفاهيم وإغنائها، في تفاعل جدلي مع التحولات السياسية والمجتمعية التي تعرفها بلادنا… في هذا الإطار يتأطر خطاب الكاتب الأول الاستاذ لشكر.
إن خطاب الكاتب الأول خطاب عميق يرتقى إلى مستوى الأدبيات السياسية الرفيعة التي أنتجها الاتحاد الاشتراكي في محطات حاسمة ومفصلية من تاريخ المغرب…. إنه خطاب عميق لأنه، أولا، صادر عن الاتحاد الاشتراكي وعن كاتبه الأول، ولأنه، ثانيا، يأتي في سياق سياسي واجتماعي دقيق، ولأنه، ثالثا يروم رفع الجمود والرتابة التي أصبحت تهيمن على حياتنا السياسية، ولأنه رابعا يتوخى السمو على لغة التهريج، تبادل التهم والسب ويتوخى القطع مع لغة الشعارات الفضفاضة والوعود الشعبوية….
إن خطاب الكاتب الأول رؤية تحليلية ونقدية، رؤية اتحادية لتنمية الإنسان والمجتمع…. إنه رؤية بنيوية وجدلية للسياسة والمجتمع.. للتشخيص والبديل.. الاختلالات والاقتراحات… إنه، إذن، رؤية بنيوية وجدلية؛
-رؤية بنيوية لأنه يشكل نسقا فكريا منسجما تفكيرا وبناء، نسقا بعناوين كبرى (قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية… الأفق المستقبلي… العدالة الاجتماعية والثورة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك… مرجعيات البرنامج السياسي للاتحاد الاشتراكي… أسس التحالفات القبلية والبعدية… التحضير للاستحقاقات الانتخابية… الوضعية الحقوقية… الهوية… اليسار… التنظيم الحزبي… التصالح والوحدة الاتحادية… والوحدة الوطنية قضية القضايا…) نسقا فكريا سياسيا متماسكا منطقيا، والخيط الناظم هو المنظور الاتحادي اليساري، الاشتراكي الديموقراطي الحداثي… رؤية بنيوية لأنه خطاب يحمل الصدق داخله، من هنا يرتقى عن لغو الكلام…
-رؤية جدلية لأنه ليس خطابا نظريا يتوخى الصدق الداخلي فقط؛ انسجام الفكر مع نفسه… بل إنه خطاب جدلي تاريخي؛ خطاب سياسي بحمولة واقعية ملموسة، يتوخى الصدق الواقعي؛ انسجام الفكر مع الواقع… رؤية جدلية لأن الخطاب يطرح مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والتنظيمية في ترابطها وتفاعلها وصيرورتها التاريخية….
لحسن حظنا لم يعد هناك ذو عقل يمكن، بعد كل هذا، أن يعلو كرسي الأستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات، ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديموقراطية….
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 23/04/2021