المجلس الوزاري: دعم الأحزاب وتشجيع الكفاءات

  عبد السلام المساوي

 

«…. وفي أفق التحضير للانتخابات العامة المقبلة ببلادنا، صادق المجلس الوزاري على أربعة مشاريع قوانين تنظيمية مؤطرة لهذه الاستحقاقات، تهدف بصفة عامة، إلى تطوير قواعد النظام الانتخابي، وتقوية الضمانات الانتخابية، وضبط قواعد استفادة الأحزاب السياسية من الدعم المالي، وتخليق العمليات الانتخابية، وتعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين.
ويتعلق الأمر بالمشاريع التالية: (……)
•مشروع قانون تنظيمي بتغيير القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية: ويروم تفعيل التعليمات الملكية السامية بخصوص الرفع من مبلغ الدعم العمومي الممنوح للأحزاب، قصد مواكبتها، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية، مع تخصيص جزء من الدعم العمومي لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار.»
في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية (أكتوبر 2018)،  دعا جلالة الملك محمد السادس، إلى الرفع من الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية…. غير أن الخطاب الملكي، ربط بين الزيادة في دعم الأحزاب، ومسألتين أساسيتين:
الأولى، تتعلق بتجديد أساليب العمل، والرفع من أداء الأحزاب ومساهمتها في جودة التشريعات والسياسات العمومية، وهو ما تحتاجه بلادنا بقوة، لمواجهة التحديات الداخلية، الاقتصادية والديموغراغية والسوسيولوجية، وكذا تحديات المحيط الإقليمي والدولي…
الثانية، ترتبط أيما ارتباط بالموارد البشرية القادرة على الإنتاج الفكري وإنجاز الدراسات والأبحاث والمساهمات، التي من المفترض أن تقدمها الأحزاب للدولة والمجتمع، لذلك اشترطت دعوة جلالة الملك، الزيادة في الدعم، بتخصيص جزء منه للكفاءات والطاقات التي تشتغل في مجالات التفكير والتحليل والابتكار.
من الواضح أن مشروع زيادة الدعم العمومي للأحزاب، يتميز بدعوة صريحة لتنمية دورها وتحسين جودة منتوجها، على الصعيد الكيفي، بالخصوص، أي بتطوير مساهماتها الفكرية والاقتراحية، وهذا ورش من الأهمية بمكان، لأن الأحزاب الديموقراطية، ليس في المغرب وحده، بل في العالم، لعبت دورا كبيرا في إنتاج الأفكار والمشاريع المجتمعية والتصورات الكبرى، بالإضافة إلى مساهمتها في الهيئات المنتخبة المحلية والوطنية، أو في تدبير الشأن العام ومراقبة السياسات العمومية.
ولا شك أن حزب الاتحاد الاشتراكي، هو الحزب الوحيد (يمينا ووسطا ويسارا) الذي استوعب مضمون الخطاب الملكي وتلقى الرسالة التي يحملها بكل وعي ومسؤولية، فانخرط في دينامية تنظيمية وسياسية، فكرية وثقافية… وسجل الرأي العام تميز الاتحاد الاشتراكي، الحزب الذي يؤطر المواطنين، توعيتهم وتكوينهم فكريا… كما سجل البؤس الفكري والعقم السياسي الذي استغرق الأحزاب التي انشغلت بالمتاجرة بفقر الفئات الشعبية المعدمة والتوظيف السيء للدين… فرق، إذن، بين حزب يخاطب في الناس عقولهم وأحزاب تخاطب فيهم بطونهم…. فرق بين حزب يحضر المواطنين وأحزاب تحضر  الانتخابات… الاتحاد الاشتراكي يؤطر ويشتغل سياسيا وفكريا وثقافيا وإعلاميا وأحزاب أخرى تشتغل ب «الإحسان»…
الحكاية، إذن، ليست حكاية مزيد من المال وكفى، مثلما أراد بعض المغرضين الإيهام، المسألة استجابة لحاجة ملحة تبدو على هاته الأحزاب، وهي لا تتوفر على نخب متخصصة كل في ميادينه، وتكتفي بجمع بعض من «المناضلين» داخلها، فيما تنفر منها الطبقات المتعلمة ذات التخصص العالي، لأنها غير مغرية لا ماديا ولا اجتماعيا، ما يفترض إعادة حتى في طريقة اشتغال أحزابنا التقليدية، ومنحها الوسائل الكفيلة بتقريبها من هاته الطاقات، وتشجيع هاته الأخيرة على تقديم خبراتها لهاته الأحزاب إذ أن من باب الانخراط فيها أو من باب العمل داخلها دون انخراط مما هو جار في كل أنحاء العالم المتحضر.
جاء في التقرير السياسي للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أمام المجلس الوطني -29 يونيو 2019- (…في نفس السياق، فإن الطريقة المعتمدة لتقديم الدعم العمومي المالي للأحزاب السياسية، أصبحت تشكل عائقا أمام تطور وسائل عملها، وهو ما يدعو إلى التعجيل بتفعيل التوجيهات الملكية بخصوص رفع الدعم العمومي للأحزاب وتخصيص جزء منه للكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار.
إن الاتحاد الاشتراكي، سيدافع عن ضرورة إعادة النظر في آليات تمويل الأحزاب السياسية، بما يضمن استمرار التعددية الحزبية التي أصبحت واقعا لا يستقيم معه التوجه نحو أية قطبية مصطنعة قائمة إما على استغلال الخطاب الديني أو على استغلال المال، وهما الظاهرتان اللتان ينبغي تقنينهما بشكل جيد حتى يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين الهيئات المتنافسة التي ينبغي أن تدافع عن برامجها بمنطق مدني وليس بخطاب ديني.
ونقترح بهذا الخصوص، اعتماد معايير تعكس فعلا الحياة الحزبية، من قبيل عدد المقرات الحزبية، وعدد التنظيمات الجهوية والإقليمية والمحلية المصرح بها، وتمثيليتها في التنظيمات المهنية المنظمة وطنيا، وأنشطة التنظيمات النسائية والشبيبية، وانتظام صدور الإعلام الحزبي الورقي، والتوفر على المواقع الإلكترونية الحزبية، إلى غير ذلك مما نعتبر أنها معايير حزبية حقيقية، إذ لا يعقل مثلا أن يكون أكبر المستفيدين من الدعم العمومي لا يتوفرون حتى على جريدة ورقية يومية أو على الأقل منتظمة الصدور….»
بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة الجمعة 12 أكتوبر 2018، كان خطاب جلالة الملك وهو يعلن باسمه الشخصي وباسم كل المغاربة في كل مكان من هاته الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تسمى المغرب الملل الجماعي والعياء التام والكامل من الانتهازيين، ومن الذين يريدون من المغرب أن يعطيهم فقط، ولا يريدون بالمقابل أن يعطوه شيئا.
المغرب «يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين، وأي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ، لخدمة بلاده، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء» هكذا تحدث جلالة الملك، وهكذا التقط المغاربة العبارة بكل الوضوح التام والكامل وفهموا المغزى منها والمراد من قولها وعرفوا أيضا المعنيين بها….
المغرب «يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين» هكذا شدد صاحب الجلالة على حاجة المغرب أيضا «إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات».
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية، غير قادر على مداراة نفسه: هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها، حلوها ومرها، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر.
جاء خطاب العرش ليعلن وجوب إجراء قطيعة نهائية مع الريع والعبث؛ يقول صاحب الجلالة «… بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع. مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات..
لذا، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص.»
هكذا يتبين بكل وضوح وصرامة، أن صاحب الجلالة يدعو وجوبا إلى إحداث قطيعة، قطيعة نهائية؛ قطيعة بالمعنى البنيوي، القيمي، السياسي والسوسيولوجي مع السلوكات والتصرفات التي تعيق استكمال بناء مغرب الأمل والمساواة…
وجب إذن، القطع مع ثقافة النهب والعبث، والتأسيس لثقافة العمل والمسؤولية.
المغاربة الذين يقولونها بكل اللغات عن تبرمهم ومللهم من الانتهازيين والناهبين، سمعوا ملك البلاد يقول بأن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات صادقة ومخلصة…. أن هذا الملك يريد العمل، ويبحث عن الصادقين للعمل معه.
لا ننكر أن العثور على هؤلاء الصادقين هو عملة صعبة في زمننا هذا… ولكن نعرف أن المغرب هو بلد كفاءات، وبلد شباب وبلد وطنيين مواطنين قادرين على إبداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا إلى جنب في كل مراحلها، وأساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة.
إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات المخلصة والمحبة لوطنها منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم. وهم من جعلوا الانتخابات وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات. وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الإصلاحات التي وقعت في البلد، رغم أهمية هاته الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى….
هناك اقتناع، هناك توافق بين الملك وبين شعبه؛ أن الحاجة ماسة إلى الكفاءات الحقيقية الجديدة، والطاقات المواطنة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار.
وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا أن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم… أن المسألة تهم مستقبل بلد بأكمله

الكاتب :   عبد السلام المساوي - بتاريخ : 16/02/2021