المعرض الدولي للنشر والكتاب: من يدفع المليون؟

حفيظة الفارسي

ونحن على بعد يوم واحد من انطلاق فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 27، والتي نتمنى لها النجاح وكسب هذا الرهان، لا يمكن إلا أن نقف عند بعض الملاحظات التي تولدت لدينا من خلال تصريحات الوزير محمد بنسعيد خلال الندوة الصحفية التي عقدت بمناسبة تقديم محاور برنامج المعرض.
ففي جواب عن سؤال لأحد الصحفيين، حول ما إذا كانت تظاهرة المعرض الدولي للنشر والكتاب ستعود لتنتظم في مدينتها الأصلية الدار البيضاء ابتداء من الدورة المقبلة، وذك خلال الندوة الصحفية التي خصصت لتقديم الدورة 27 للمعرض الدولي للكتاب والنشر، يوم الجمعة 27 ماي، قال محمد المهدي بنسعيد وزير الثقافة والاتصال إن هذا أمر «لم يتم الحسم فيه بعد « إلى أن تتم مرحلة تقييم هذه الدورة.
إن المبررات التي قدمها الوزير، حول اختيار الرباط لانعقاد المعرض من قبيل عدم تقديم دعم من مجلس مدينة الدار البيضاء لأي دورة سابقة، وعدم شغور الفضاء السابق واستمرار الاشغال العمومية بأغلب شوارع البيضاء، كانت مقنعة الى حد ما، لكن التصريح بعدم الحسم في القادم من دورات، فيه ما فيه.
فالجواب المشار إليه يحمل في طياته أكثر من علامة استفهام خصوصا وأنه يتعارض مع تصريح سابق لنفس الوزير بأن المعرض سيعود إلى العاصمة الاقتصادية سنة 2023 بعد أن يخرج المغرب تماما من «أزمة كورونا».
الجواب، أيضا، يحيل على الكثير من التأويلات التي تضمر بعضا من «نية مبيتة» لتهريب المعرض من مدينته الأصل، والتي صار جزءا من صورتها وهويتها الثقافية والتاريخية منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، وتحديدا منذ أول دورة للمعرض في 1987 بناء على التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الأولى حول «الثقافة المغربية»، والمنعقدة بمدينة تارودانت خلال الفترة من 13 الى15 يونيو 1986، واستنادا الى الرسالة الملكية التي بعث بها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني إلى المتناظرين.
وتتعزز الشكوك أكثر حول هذا «التهريب» حينما يعزف رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة رشيد العبدي، على نفس الوتر ، وفي نفس الندوة، ليعبر عن رغبته في تنظيم معرض الكتاب بجميع أقاليم الجهة، مؤكدا أن مهمته الأساسية هي الدفاع عن جهة الرباط التي وضعت استراتيجية ثقافية واضحة للسنوات القادمة، وعقدت اتفاقية إطارا مع الوزارة.
ومنذ أن كشف الوزير محمد المهدي بنسعيد، خلال تقديمه للميزانية الفرعية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل في نونبر 2021 بمجلس النواب، أن المعرض الدولي للنشر والكتاب سينقل من الدار البيضاء إلى مدينة الرباط، بذريعة أن فضاء مكتب أسواق ومعارض الدار البيضاء، الذي يحتضن هذه التظاهرة الثقافية كل سنة ، تحول إلى مستشفى ميداني لاستقبال مرضى كوفيد19، وهي الفترة التي بدأ منحنى الوباء فيها بالتراجع، قبل أن ينضاف مبرر ثان يتعلق باختيار الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية وللثقافة في العالم الإسلامي برسم عام 2022، وهو المبرر الذي قدم في نهاية المطاف، وحيدا، انبرت أصوات المنتخبين بمجلس المدينة رافضة هذا التنقيل لأن المدينة لا تعدم فضاءات أخرى تحتوي هذه التظاهرة التي لا ينحصر دورها في الاشعاع الثقافي وترويج صناعة الكتاب والنشر، بل تشكل محفزا اقتصاديا مهما للعاصمة الاقتصادية التي يتوافد عليها مئات العارضين، مغاربة وأجانب، ما يساهم في تنشيط عدد من القطاعات كالمطاعم والفنادق ووسائل النقل، ناهيك عن عدد سكانها الذي يناهز الـ5 ملايين.
هذه الأصوات الرافضة داخل مجلس مدينة الدار البيضاء، والتي عبرت عن رفضها للقرار وامتعاضها من عدم إشراكها في اتخاذه، سرعان ما ضربت»الطم» دون أن تقدم أي توضيح حول موقف الصمت الذي لاذت به، وهو «الطم « الذي كشف أسبابه الوزير خلال الندوة، وأرجعه الى غياب أي دعم للجهة خلال الدورات السابقة لمعرض الكتاب والتلكؤ في اقتراح بديل.
وبعيدا عن الدورة الاقتصادية ومحركاتها، قريبا من الثقافة، تتناسى الوزراة أن مدينة الدار البيضاء وحدها تتمركز بها 26 دار نشر، ناهيك عن الزيارات شبه اليومية للكتاب والمثقفين الذين يقطن أغلبهم بمحور الدار البيضاء ، ما يخلق حركية دائمة داخل المعرض.
وقياسا على ما سبق، فإنه إذا كانت النقطة التي حسمت في انتقال المعرض هذه السنة الى الرباط، تتعلق بالدعم السخي الذي قدمته جهة الرباط – سلا – القنيطرة المتمثل في 8 ملايين درهم والذي وعدت بتقديم أكثر منه ، فهل سنرى مهرجان «موازين» في نسخة قادمة بالبيضاء إذا فكرت جهة الدار البيضاء في منح دعم سخي له؟، وهذا طبعا إذا وضع القائمون على تسييرها الثقافة ضمن أولوياتهم وأدمجوها في مخططاتهم الجهوية.

 

الكاتب : حفيظة الفارسي - بتاريخ : 01/06/2022