الملك محمد السادس عرش متحرك يتربع داخل قلوب الشعب
عبد السلام المساوي
1 – لكي نستوعب جيدا أن المشكل لدى الجزائر ومن يحكمونها تجاه المغرب، هو مشكل بنيوي متأصل في دائرة الحكم هناك…
الهواري بومدين، وهو رجل في ذمة التاريخ الآن، أسس دولة العسكر في الجزائر على عقيدة واحدة ووحيدة: العداء لكل ما هو مغربي، فهم بومدين قبل الوقت بزمن طويل أنه لا يمتلك أي خاصية تؤهله لحكم الجزائريين، فابتدع هذا العداء المرضي الغريب للجار الغربي، أي للمغرب، وجعل منه طريقة لمواصلة الاستيلاء على الجزائر، وكل من أتوا بعد الهواري ساروا على منواله وفهموا أنها الطريقة للبقاء في المرادية باستثناء الراحل محمد بوضياف الذي قال إنه «من الغباء معاداة البلد الأكثر قربا إلينا، فكان مصيره القتل على المباشر».
مقابل هذا العداء الذي يسكن بشكل مرضي خطير من يحكمون الجزائر، هناك حب متبادل بين المغاربة -قمة وقاعدة- وبين الجزائريين -قاعدة فقط هذه المرة- وهناك اقتناع شامل كامل أن هاته العداوة هي نتاج حرب باردة لم يعد لها وجود الآن وأنه من باب الغباء المزمن الاستمرار فيها طالما أن المستقبل هو مستقبل تعاون بين الشعوب البعيدة فما بالك بالشعوب القريبة التي تشترك في الدم والقرابة والعرق واللون واللغة وكل شيء.
مرة أخرى نقولها: سنصبر إلى أن يتمكن شعب الجارة الرائع من التحرر من أصنامه، وبعدها سيكون لكل حادث مغاربة حديث مغاربة أفضل منه بطبيعة الحال.
2 – الحكاية طبعا ليست حكاية برنامج تلفزيوني سخيف في قناة أسخف.
والحكاية ليست حكاية اهتمام أكثر من اللازم بأمر عابر، صدر عن حمقى، ولا حاجة لأن يلتفت إليه ذوو الرشد المنزهون عن مثل هذا العبث.
الحكاية حكاية تاريخ، والحكاية حكاية جغرافيا.
إن المجد التاريخي الوحيد للجزائر تجاه المغرب كتب نفسه اعتداء صارخا علينا بالسلاح، بالمال، بتمويل جبهة انفصالية، بدعمها لسنوات وسنوات لكي تمس وحدتنا الترابية، بطرد أبنائنا الذين كانوا يحيون في الجزائر ذات عيد أضحى، قال لنا كل شيء عن عقيدة الكراهية التي تصنع القرارات السياسية في الجزائر.
هذا هو الجزء الأخير من حكاية التاريخ هاته مع هذا الجار، فيما الجزء الأول، والأساس والأكثر دلالة وإيلاما، هو جزء يلخصه سؤال تطرحه الجزائر على نفسها منذ قرر الجنرال دوغول للحركيين أن يعودوا إلى مدن فرنسا وبواديها: من أنا؟ ما هويتي؟ هل أنا فرنسية؟ قبايلية؟ خليط من كل هذا؟ أم لا شيء من كل هذا؟
ثم هناك ذلك السؤال الأصعب، الأشرس، الأقسى: لماذا تأسست فقط بداية الستينيات من القرن الماضي، وهذا الجار الغربي قربي تأسس منذ قديم القديم؟ كيف لي -بحداثة النشأة والتكوين- أن أجاري عراقة الانتماء القريبة مني جغرافيا، البعيدة عني حضاريا؟
كيف؟
هذا هو السؤال فقط لا غير.
إذن، إنها ليست حكاية سخافة عابرة لا يمكنها التأثير في أصغر جزء من فسيفسائنا المغربية العريقة.
الحكاية أعمق بكثير، هي حكاية عقدة كره وعقيدة كراهية، يلزمنا صبر مغربي كثير لكي نتعايش مع أعراضها العديدة والمختلفة التي تظهر باستمرار، ودوما وأبدا، ومرة بعد الأخرى هناك جهة الشرق الحزين.
قدرنا حكم علينا بهاته الجيرة، وقدرنا حكم علينا بالصبر المغربي الجميل عليها ونحوها وتجاهها إلى أن يقضي رب التاريخ ورب الجغرافيا، أي مالك الكون، أمرا كان بالتأكيد مفعولا.
3 – لقد أكدت سقطة قناة العسكر أن المغرب القوي بإجماعه الوطني، وبمؤسساته الدستورية، وتعدديته السياسية والثقافية، لن تنال منه الأساليب المنحطة واللاأخلاقية، التي انخرط فيها المتحكمون في رقاب الشعب الجزائري.
وبقدر ما فجر سلوك القناة غضب جميع المغاربة، بقدر ما أكد أن الملك الساهر على الوحدة الترابية، والدفاع عن مصالح الوطن، هو خط أحمر، بالنسبة إلى كل مكونات الشعب المغربي، التي استنكرت عبر مختلف الأشكال والتعبير، سلوك الانحطاط، وعدم احترام الأعراف والتقاليد، المعمول بها في العلاقات الدولية والدبلوماسية.
إن ما قامت به قناة العسكر ليس سوى حلقة من حلقات الانحطاط في الخطاب الإعلامي الجزائري، والذي ينهل من قاموس العسكر وأبواقه في حكومة تسعى بكل الوسائل إلى القفز على مطالب الحراك الشعبي، الذي يطالب برحيل العصابة، وإعطاء الكلمة للشعب من أجل تقرير مصيره.
إن الهجوم على الملك، من قبل إعلام العسكر، الذي لا علاقة له بأخلاقيات الصحافة وبرسالة الإعلام، قد انقلب إلى مصيدة وقع فيها حكام الجزائر، إذ هب المغاربة بكلمة واحدة «الملك خط أحمر»، مستنكرين الإساءة للمؤسسة الملكية، وليؤكدوا سقوط حكام الجارة الشقيقة في مستنقع يعكس المستوى الذي آل إليه القائمون على تدبير شؤون الشعب الجزائري الشقيق.
4 – ما يقوم به «عواجز» العسكر الجزائري مجرد بهلوانيات مضحكة، لا تثير انتباه أحد على الإطلاق…
إن الجزائر تحصد اليوم ما زرعته من حسابات خاطئة في المنطقة، مصداقا للمثل المغربي البليغ «اللي كيحسب بوحدو كيشيط ليه»، وما تفعله اليوم، قرب الجدار الأمني، ليس سوى رقصة ديك مذبوح، كلما تحرك فقد مزيدا من الدماء، مقتربا، تدريجيا، من مرحلة النزيف القاتل.
الجزائر تبين لها أنها خسرت الرهان، وأن ما استثمرته في جبهة البوليساريو على قرابة نصف قرن ضاع أدراج الرياح لهذا تواجه الوضع بالتهديد بالحرب وباختلاق الوقائع ببلادة في أحيان كثيرة.
في سبيل عقيدة بئيسة لخلق عدو خارجي وهمي باستمرار، أنفقت الجزائر 500 مليار دولار في 45 سنة، لو أنفق ثلثها فقط على تنمية البلد، وتحسين الظروف المعيشية لمواطنيه، لما اضطر برلماني أن يصرح في قناة عمومية أنه لم يتذوق طعم الموز إلا حين بلغ من العمر ثلاثين سنة!!!!
إنها سبة في حق دولة تصنف، اليوم، واحدة من أهم دول «أوبيك» المنتجة للنفط والغاز، إذ في الوقت الذي كان مطلوبا أن تنكب الحكومات، منذ بومدين إلى تبون، على توفير الموز والتفاح والبرتقال والطماطم والبطاطس والبصل والحليب والدقيق بكميات كبيرة وأسعار مناسبة، تهدر مقدرات الشعب الجزائري على نزاع إقليمي منته، حسمت فيه الأمم المتحدة والدول الكبرى، منذ 15 سنة، بتبني مقترح الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية على كامل التراب الوطني.
هذا هو النقاش الذي ينبغي أن نواجه به، اليوم، العصابة الحاكمة في الجزائر، ونذكرها، في كل مرة، أن عليها أن تهتم بشؤونها الداخلية، وأن تنكب على حل الملفات المطلبية للحراك الشعبي، وتوفير الحد الأدنى من الحياة ل 40 مليون جزائري، أما قطار المغرب، فقد انطلق منذ سنوات…
قبل أيام نشرت الصحافة المقربة من عساكر الجزائر تهديدات صريحة بشن حرب خراب في المنطقة، وهو الأمر الذي يروجه عدد من المتدخلين بالقنوات الجزائرية والغربية من كون الوضع يسير نحو تصعيد خطير في المنطقة.
ما تقوم به الجزائر وصنيعتها هو رد فعل نزق على ما بلغه ملف الصحراء المغربية من تطور إيجابي، خصوصا مع الاستعدادات الجارية لاستثمارات تقوم بها عدة بلدان في المنطقة. هذا الأمر لا تستسيغه الجزائر التي مازال حكامها يحملون تصور الحرب الباردة وحلم الريادة في المنطقة، وهو ما لم يتسن لهم خصوصا مع التنمية التي يشهدها الاقتصاد المغربي والمجتمع على حد سواء، في مقابل وضع سياسي واجتماعي مترد في الجزائر.
الاستفزازات المتواصلة لحكام الجزائر تواجهها رغبة مغربية في السير قدما في التنمية بمباركة دولية وبشرعية وعدالة القضية المغربية، غير أن هذه الاستفزازات لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، فالمملكة المغربية تمتلك من الحلول الشيء الكثير وعلى الجارة الشرقية أن تعرف جيدا أن المغرب في صحرائه ومستعد للدفاع عن وحدته الترابية بكل الوسائل وبكل الأشكال.
لقد اشتغلت الدبلوماسية المغربية بجهد وإخلاص في تعريف المجتمع الدولي بجوهر النزاع المفتعل في الصحراء. والمجتمع الدولي اقتنع بعدالة القضية المغربية. من هذا المنطلق على حكام الجزائر أن يعوا جيدا بأن ما يروجون له لن ينقص من عزيمة المغاربة في الالتفاف حول قضيتهم والدفاع عنها بأي شكل من الأشكال…
5 – لن نقبل أن تمس مقدسات المملكة المغربية بنشر الأضاليل والمغالطات، التفاهات والأكاذيب….
لن نقبل أن يمس الملك محمد السادس؛ عرش متحرك يتربع داخل قلوب الشعب….
هناك إجماع وطني، يوحد المغاربة حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد، وأولها «الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها»، وثانيها، مواصلة الخيار الديموقراطي والتنموي بعزم وثبات. يقول جلالة الملك عن الملكية المواطنة «يعلم الله انني أتألم شخصيا، مادامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة. لذلك أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة….»
إن الملكية تمثل النظام الوحيد الذي جمع ووحد المغاربة حول مشروع وطني لبناء الدولة من منطق مغربي خالص، في غياب أي تصورات أو مشاريع يمينية أو يسارية أو غيرها حقيقية للبناء. فهي المؤسسة الوحيدة، التي استطاعت أن توفق بين التاريخ والحاضر من أجل المستقبل، بدون حسابات شخصية أو سياسوية، وإلا كان مصيرها كعدد من الأنظمة في فضائنا العربي والثقافي والجغرافي: الاندثار والتفكك والتطاحن الدموي…
إن الملكية هي المؤسسة الوحيدة التي أتقنت فنون تدبير التناقضات الداخلية والخارجية، وخلقت توازنا لاستمرار الدولة والمجتمع. فالملكية المغربية هي ملكية تدبيرية وليست تنفيذية كما يقول البعض، ذلك أن الملك يضع التصورات الكبرى ويرسم الخطوط العريضة ليس فقط لتدبير مرافق الدولة ومؤسساتها السياسية والاجتماعية وإنما أيضا يحدد هوامش التفاعل مع المجتمع ومختلف الأفكار الرائجة فيه….
المغرب بقيادة محمد السادس يشق طريقه نحو المستقبل، وهو طريق ملكي… يشتغل، يفتح الأوراش الكبرى.. في إطار «البيعة المتبادلة بين العرش والشعب»….
واهمون إن اعتقدتم، أيها الحمقى، أن»دمية ناطقة» قد تهز تاريخا وارتباطا وبيعات متجددة بين شعب وملك تمتد إلى 12 قرنا.
وواهمون إن اعتقدتم أن النذالة يمكن أن تصنع رجال دولة، بل إنها تضيع ما تبقى من رصيد احترام أمام العالم.
وواهمون إن اعتقدتم أيضا أن تعليق أعطابكم الداخلية على عدو وهمي، يمكن أن ينقذكم من الورطة في الإساءة للشعب الجزائري…..
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 19/02/2021