انعقاد المؤتمر الأوروبي للتضامن مع الشعب الصحراوي المزعوم (EUCOCO)أو انتقال الفشل من مدريد إلى لشبونة

مشيج القرقري

ونحن في خضم انعقاد الدورة 48 من الندوة الأوروبية للتضامن مع الشعب الصحراوي المزعوم، بلشبونة عاصمة البرتغال، يومي 28 و29 نونبر 2024، وهو الموعد السنوي الذي كانت الجبهة الانفصالية تعتبره من أقوى اللحظات لحشد الدعم المادي والسياسي على الصعيد الأوروبي، بعد لقاء طليطلة بإسبانيا، والذي اعتبر حينها لحظة محبطة، وإعلانا عن فشل الاستراتيجية السياسية لجبهة البوليساريو في القارة الأوروبية، يأتي انعقاد الندوة، بعد أسبوعين فقط من انتكاسة 16 نونبر بالعاصمة الإسبانية مدريد، حيث تحول الموعد السنوي الأهم، إلى موعد لإعلان الانقسام داخل قيادة الجبهة على صعيد قيادتها بإسبانيا وداخل أمانتها العامة.

تحول المسيرة إلى مسيرتين، إشارات ضعف من مدريد:

في 16 نوفمبر 2024، شهدت العاصمة الإسبانية مدريد مظاهرتين متزامنتين تدعيان دعم قضية الصحراء، ولكن، في الحقيقة عكست هذه الازدواجية الواقع الداخلي للجبهة الانفصالية والتحديات والصعوبات التي أصبحت تواجهها في تعبئة التأييد الشعبي الأوروبي.
المظاهرة الأولى كانت منظمة من طرف جمعيات يسارية تقليدية مثل CEAS-Sahara وFEMAS، ولم تتجاوز بضع مئات من المتظاهرين والذين سلكوا طريقًا معتادًا في خطابهم السياسي، تم التركيز في هذه المظاهرة على المواضيع الكلاسيكية، مثل معارضة اتفاقية مدريد لعام 1975، والدعوة لتنفيذ حكم محكمة العدل الأوروبية، والعودة إلى الأسطوانة المشروخة للاستفتاء.

على الجانب الآخر، كانت المظاهرة الثانية بشارع Fezzaz, حيث مقر الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، تتمحور حول الاحتجاج ضد الموقف الإسباني المؤيد للمغرب، ومهاجمة الحزب الاشتراكي الحاكم، وسُجلت مشاركة ضعيفة جدا، فقط بضع عشرات من الشباب الناقمين على المواقف الحالية للقيادة الانفصالية في مدريد.
هذه المظاهرة عكست صراعا حًادا بين الأجيال والمصالح داخل الجبهة، وأظهرت تصاعدًا في الاستياء والتشكك الواضح في فشل القيادة وفسادها.

انعكاسات هذه التطورات على مؤتمر لشبونة

من الواضح أن ما وقع بمدريد انعكس بشكل واضح على ندوة لشبونة، فعلى بعد ساعات فقط من افتتاحها، لم يعلن المنظمون عن برنامج الندوة، وبقي التستر على الأسماء الحاضرة هو السائد، مما يعني الغياب الكلي لكبار الساسة والمسؤولين الأوروبيين وغير الأوروبيين، وكانت الأخبار المسربة قبل انعقاد المؤتمر قد تحدثت عن حضور بعض البرلمانيين من اليسار البرتغالي وقيادات نقابة محلية، فقط.
تاريخيا، كان هذا المؤتمر بمثابة المنصة الدولية الرئيسية لاستعراض استراتيجية البوليساريو، سواء على مستوى الحشد الشعبي أو على صعيد الحصول على الدعم المالي والسياسي من البلديات والحكومات الجهوية في أوروبا.
ومن المؤكد أن الأحداث الأخيرة في مدريد تشير إلى تراجع واضح في القدرة على الحشد والتعبئة.
المظاهرات المتباينة التي شهدتها العاصمة الإسبانية لا تشير فقط إلى انقسامات داخل جبهة البوليساريو، بل تحسم في نهاية التأييد الشعبي الأوروبي بعد نهاية الدعم الرسمي، وتحول عدد من البلدان الأوروبية نحو دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الأداة السياسية والحل الوحيد الذي يتماشى مع الشرعية الدولية والمصالح المشتركة بين إفريقيا وأوروبا.
إن تراجع مستوى الحضور في الندوة، والغياب الكلي لأية إشارة أو تغطيه للحدث في الصحافة والإعلام البرتغالي، تبصم على نهاية البوليساريو في الحفاظ على قدرتها على التأثير في القرار الأوروبي، وفي ظل تعزيز المغرب لموقعه الاستراتيجي على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي.

التراجع في الدعم الدولي: البلديات والحكومات الجهوية نموذجا

لطالما كانت البلديات والحكومات الجهوية في أوروبا، رافعة أساسية لإنجاح الندوة الأوروبية، ومن أهم مصادر الدعم للجبهة الانفصالية للبوليساريو، حيث كانت هذه الجهات تقدم التمويل السياسي والمادي استنادًا إلى اعتباراتها الإنسانية والأيديولوجية، وجعلت منها قضية رأي عام انتخابي. أما الآن، فقد أصبح العديد من هذه الهيئات اليوم أكثر حذرًا، خاصة بعد أن تكشفت بعض الحقائق حول الوضع في مخيمات تندوف، بداية من الانتهاكات الإنسانية وصولًا إلى الفضائح المرتبطة بقيادة الجبهة، حيث بدأت هذه الجهات تدرك التناقضات في الرواية الانفصالية.
لقد شهدنا في السنوات الأخيرة تطورًا في مواقف عدد كبير من الحكومات المحلية في أوروبا، حيث بدأت في الابتعاد عن دعم البوليساريو، معبرة عن قلقها تجاه القضايا الإنسانية في المخيمات والفساد المستشري داخل قيادات الجبهة. على سبيل المثال، العديد من البلديات التي كانت تدعم بشكل مباشر قضية الصحراء بدأت في إعادة النظر في موقفها بعد التحقيقات الدولية التي فضحت عمليات استغلال مساعدات إنسانية كانت موجهة لسكان المخيمات، فضلاً عن التقارير التي تحدثت عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل هذه المخيمات.

استراتيجية المغرب وأثرها على الموقف الأوروبي

في الوقت الذي تواجه البوليساريو هذه التحديات، يواصل المغرب تعزيز مكانته على الساحة الدولية من خلال استراتيجية دبلوماسية ملكية ناجحة، فالمبادرة المغربية لحل نزاع الصحراء، والتي تروج لحل سياسي قائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، تستمر في جني التأييد الدولي، لا سيما في أوروبا والآن في عدد من دول أمريكا اللاتينية المعقل التاريخ المحصن للانفصاليين.
إن النجاحات الدبلوماسية المغربية، التي تراوحت بين تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية، والتعاون في القضايا الاقتصادية والأمنية، لعبت دورًا حاسمًا في تغيير مواقف العديد من الدول الأوروبية لصالح المغرب (إسبانيا وفرنسا)، في المقابل، يبدو أن الجبهة الانفصالية قد فقدت القدرة على مواجهة هذه التحولات، خصوصًا مع استمرار تسليط الضوء على الأزمات الداخلية التي تعصف بالجبهة.

الصراع الداخلي في البوليساريو:

من الواضح أن جبهة البوليساريو تشهد صراعًا داخليًا انعكس بشكل مباشر في تراجع قوتها وتأثيرها في أوروبا. من بين أكبر الأزمات التي تواجهها الجبهة حاليًا هي غياب أي فعل ديمقراطي داخلها، ثم تحولها لتنظيم إرهابي يستهدف المدنيين، بالإضافة إلى الفضائح المرتبطة بالفساد داخل صفوفها، مثل بيع المساعدات الإنسانية الموجهة للاجئين في المخيمات، وظهور تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم اغتصاب أطفال ضمن برنامج «عطلة السلام».
بالإضافة إلى ذلك، تواجه البوليساريو تحديات تتعلق بالقيادة، خاصة بعد العديد من الفضائح المرتبطة بشخصيات بارزة في القيادة مثل إبراهيم غالي (المعروف بـ»بن بطوش»)، الذي يواجه اتهامات متزايدة تتعلق بالفساد والقيادة السيئة. هذه الأزمات قد تكون السبب وراء التراجع الكبير في التأييد الشعبي والسياسي لجبهة البوليساريو في أوروبا.
الخلاصة: ما الذي يمكن توقعه من «EUCOCO» في لشبونة؟
من الواضح أن مؤتمر «EUCOCO» في لشبونة، سيكشف عن تراجع كبير في القوة السياسية والتأثير الذي كانت تتمتع به الجبهة الانفصالية في الماضي. في الوقت الذي يبذل المغرب جهودًا دبلوماسية متواصلة لتعزيز موقفه، يبدو أن البوليساريو تجد نفسها في مأزق كبير على صعيد الدعم الشعبي الدولي.
في النهاية، من المتوقع أن يكشف المؤتمر في لشبونة عن المزيد من التطورات والصراعات التي قد تعكس تأثير الأزمات الداخلية على استراتيجيات الجبهة الانفصالية في أوروبا.

الكاتب : مشيج القرقري - بتاريخ : 30/11/2024