بالصدى .. 269 .. والهبوط الاضطراري

وحيد مبارك

لا يتعلق الأمر هنا بتصنيف أو رمز يرتبط باختبار معين للدم، ولا بتدخل طبي معيّن يتم بناء عليه تحديد تعريفته المادية سواء على مستوى الإنفاق أو الاسترجاع، فهذا الرقم 269 يحيل على السعر الفعلي الذي يصرف به دواء «غلوكاجين» في الصيدليات المغربية، ويتعلق الأمر بحقنة هي جدّ مصيرية لإنقاذ حياة المرضى المصابين بداء السكري، والتي يعتبر تواجدها في المنزل من بين الضروريات لتفادي كل التبعات الوخيمة التي قد تنتج عن هبوط حاد للسكري في الدم، مما يؤدي إلى دخول المريض، صغيرا كان في السن أو كبيرا، في غيبوبة قد تصل إلى حدّ الوفاة في حال التأخير في التعامل مع هذه الحالة الطارئة.
هذا الدواء الذي هو عبارة عن حقنة، والذي يمكنه إنقاذ مريض السكري، وتجنيبه وأسرته تداعيات صحية واقتصادية جد ثقيلة، بات هو الآخر ومنذ مدة مفتقدا وغائبا بشكل كلّي عن رفوف الصيدليات والموزعين، ليعزز بذلك قائمة العديد من الأدوية «المنقرضة» التي هي عنوان على الحياة واستمراريتها بالنسبة للكثير من المرضى. وتكمن خطورة غياب هذا الدواء الحيوي، الذي تقوم الأسر باقتناء حقنة واحدة منه، وتضعها في الثلاجة احتياطيا، والتي يمتد زمن صلاحيتها لسنة، في أن المصاب بالسكري الذي قد يتعرض لهبوط وبالتالي الدخول في غيبوبة، في هذه الحالة إذا تم حقنه بهذه الحقنة فإنه يعود إلى وضعه العادي في غضون دقائق بعد ارتفاع الغلوكوز لديه، أما في حال غياب هذا الدواء، فيجب حينها وبشكل جد مستعجل نقله إلى المستشفى، حيث تفرض وضعيته الصحية ولوجه لمصلحة العناية المركزة، وجميعنا نعلم كيف هو وضع أسرّة مصالح الإنعاش في المستشفيات العمومية، التي يكون الطلب عليها مرتفعا بكثرة، بسبب حوادث مختلفة مما يجعل من العثور على سرير فارغ يعتبر من المستحيلات ومن الخطوات النادرة جدا.
وتتعاظم معاناة المرضى وأسرهم في حال عدم عثورهم على سرير استشفائي في المستشفى العمومي، وبالتالي تكون الوجهة الاستعجالية هذه المرة صوب إحدى المصحات الخاصة، مع ما يعنيه ذلك من مصاريف مادية ثقيلة مرتبطة بهذا النوع من الخدمات الصحية، التي قد لا تكون متوفرة للجميع لا سيما في اللحظات غير المنتظرة، فتزيد من ثقل العبء المادي على المعنيين بالأمر، خاصة وأن الفرق بين ما يتم تسديده وما يتم استرجاعه في الملفات الطبية من الصناديق الاجتماعية يكون كبيرا وبشكل صارخ، وذلك بسبب الاستمرار في العمل بتعريفة مرجعية متقادمة يعود زمن توقيعها إلى سنة 2006 دون أن تتم مراجعتها كل ثلاث سنوات كما تم الالتزام بذلك في أول مرة، مما يتحمل معه المؤمّن نسبة تقدّر بأكثر من 50 في المئة من مصاريف كل ملف طبي.
هذه الوضعية الخطيرة صحيا والثقيلة اجتماعيا واقتصاديا ما كان ليجد مريض نفسه أمامها، وما كانت أسرة من الأسر التي يكون من بين أفرادها مصاب بالسكري لتعاني وتئن ألما متى تم تسجيل أزمة صحية مماثلة، لو توفر هذا الدواء بشكل اعتيادي وطبيعي في الصيدليات، ولو اقتنى كل مريض حقنة وتركها إلى جانبه في منزله كخطوة وقائية، فإن حصل «هبوط اضطراري» استعملها وإن استمر في مسيرة حياته بشكل طبيعي تجاوزها، ومتى انتهت صلاحيتها السنوية استبدلها بأخرى.
هي حالة من بين حالات عديدة لأدوية تعتبر مفتاح العلاج بالنسبة للكثير من المرضى، التي من شأن تناولها واستعمالها في الوقت المناسب التخفيف من آلامهم وتمكينهم من تجاوز أزمات صحية ذات وقع وخيم وآثار عصيبة عليهم، لكن وبكل أسف فإن تدبيرها الذي تعتريه العديد من الاختلالات، في غياب خطوات استباقية وحملات تواصلية موجهة، لا بالنسبة لمهنيي الصحة من أطباء وصيادلة ولا على مستوى المرضى، يؤدي إلى مشاكل بالجملة، يعتبر استمرار تفاصيلها في زمن الورش الملكي الرائد للحماية الاجتماعية وما رافقه من خطوات لتعميم التغطية الصحية، الذي أسس لطموح السيادة الصحية، يعتبر وصمة عار يجب على وكالة الأدوية والوزارة الوصية وكل المتدخلين المعنيين بهذا المجال، بذل المزيد من الجهود لطي مثل هاته الصفحة القاتمة من صفحات الصحة المغربية.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 19/06/2025