بالصدى .. إسعاف .. «قاتل»

وحيد مبارك
احتضنت مدينة مراكش شهر فبراير من السنة الجارية فعاليات المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول السلامة الطرقية، الذي اعتمد المشاركون خلاله إعلانا تم التأكيد على أن يشكل خارطة طريق طموحة تتوخى توطيد الالتزام الدولي بتعزيز السلامة الطرقية والولوجية للجميع. إعلان لن يكون إلا مهما، لأن الموضوع المتحدث عنه يعتبر آفة مقلقة لكل المجتمعات بالنظر لعدد ضحايا حوادث السير،وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية واللجان الإقليمية للأمم المتحدة بالتعاون مع فريق الأمم المتحدة المعني بالتعاون في مجال السلامة على الطرق، وجهات أخرى، يعدّون وثيقة هي عبارة عن خطة عالمية تشمل الفترة ما بين 2021 و 2030 بهدف تخفيض نسبة الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث السير إلى 50 في المئة على الأقل.
وإذا كان المشاركون في مراكش قد تطرقوا إلى ضرورة اعتماد تشريعات جديدة، والعمل على تحسين البنيات التحتية الطرقية، ودمج التكنولوجيات المبتكرة، إضافة إلى تعزيز أنظمة جمع المعطيات وغيرها من التفاصيل الأخرى، فإن واقع حوادث السير ومن خلالها حوادث النقل الصحي لا يزال يرخي بظلاله ووقعه على شوارع وطرقات بلادنا، بسبب العدد الكبير لهذا النوع من الحوادث من جهة، وبفعل ما يترتب عنها من خسائر بشرية من جهة ثانية، إما بمفارقة عدد من الضحايا للحياة، أو مغادرتهم للمستشفيات لاحقا بعاهات مستديمة، أو غيرها من التداعيات الأخرى، وهنا نستحضر تصريحا لمسؤول حكومي سابق، الذي أوضح بأن نسبة كبيرة من ضحايا حوادث السير يتوفّون بعد الحادثة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يفارق 62.75 في المئة من الضحايا الحياة مباشرة في مكان وقوعها، فإن حوالي 20 في المئة يغادرون الدنيا خلال نقلهم إلى المستعجلات، و16 في المئة خلال سبعة أيام الموالية لتاريخ الحادثة، بينما 1.6 في المئة يموتون خلال ثلاثين يوما بعد الحادثة.
نسب تعتبر جد مقلقة، مما يجعلنا نقف عند معطى أساسي آخر والمتعلق بالنقل الصحي، تبعا لمختلف الحوادث وليس تلك التي تتعلق بالسير فقط، التي تشمل حالات نقل مصابين بلدغات أفاعي ولسعات عقارب، أو حالات مخاض مفاجئ لنساء حوامل، أو حوادث مفاجئة كالسكتة القلبية أو حرائق أو غيرها، والتي تتطلب برمّتها تدخلا سريعا ناجعا وفعالا، وهو الأمر الذي يرى أبسط مواطن في أي منطقة من المناطق أنه لا يتحقق دائما بالشكل المطلوب إذ تعتريه الكثير من العيوب والاختلالات، فمشهد سيارة الإسعاف التابعة للوقاية المدنية التي تحلّ بمكان الحادث بعد مدة ليست بالهيّنة، ثم حمل المريض على «نقالة» ووضعه داخل السيارة التي هي عبارة عن «قفص حديدي» تفتقر للعديد من التجهيزات الضرورية، والتي يمكن أن تسمى أي تسمية أخرى إلا أن يُطلق عليها اسم الإسعاف، يعتبر صورة أضحت شبه معتادة والتي تكرّس لتدخل يصنّفه الكثير من الناس ضمن خانة «الهواية» لا «الاحترافية»، علما بأن تدبير زمن الحادث منذ لحظة وقوعه إلى غاية وصول سيارة الإسعاف ونقل المصاب صوب المؤسسة الاستشفائية التي يجب عليها أن تتوفر على كل التجهيزات الضرورية للتكفل بالضحية أو المريض، يعتبر أمرا حاسما في رحلة إنقاذه وعلاجه، أو لا قدّر الله «تعجيل» رحيله عن الدنيا، وهو ما تشير إليه عدد من المعطيات الرقمية المؤلمة في هذا الباب.
إن المواطن المغربي، يحتاج إلى نقل صحي آمن وفعال في زمن الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية، يحقق النجاعة المطلوبة منه، قبل وأثناء التدخل، وبالتالي القطع مع مجموعة من الصور المؤلمة، لسيارات إسعاف أصابها الوهن وأعيتها الشيخوخة، الأمر الذي أدى إلى تسبب الكثير منها في حوادث للسير، وانقلاب عدد منها، مؤدية إلى وفاة أو إصابة من كانوا على متنها. هذا المطلب الحيوي يجعلنا نفتح قوسا عن أسباب استمرار الاستعمال المؤقت في حالات معدودة على رؤوس الأصابع لسيارات الإسعاف التابعة لمصالح المساعدة الطبية المستعجلة التي يطلق عليها اسم SAMU، التي من المؤلم أن نشاهدها مركونة في المرائب، بل والأكثر من ذلك، أن يتم اعتماد مثل هذا النوع من السيارات ذات «الهيبة الإسعافية» التي تتطلب صيانتها تكلفة عالية، ولنقل المصابين تحتاج لميزانية مزدوجة من حيث البنزين، وغيرها من التفاصيل المالية الثقيلة، التي متى تم استحضارها يجد الإنسان نفسه يطرح أكثر من سؤال مرتبط بالحكامة والتدبير السليم؟
هذا الواقع غير الصحي، والذي يمتد لسنوات طويلة، بالرغم من «التباشير» التي تم الترويج لها مرات عديدة، بخصوص النقل الصحي والإسعاف، ما بين «الأرضي» منه و «الطائر»، والذي لا يلمس المواطنون في يومياتهم أي تغيير إيجابي في علاقة به، يطرح نفسه اليوم بقوة أكثر من أي وقت مضى، ونحن لاتفصلنا إلا بضعة أشهر عن تنظيم «الكان»، مع ما يعني ذلك من استقبال لأعداد كبيرة وإضافية من الأشخاص، الذين قد يتعرَّض بعضهم لحوادث مختلفة، ويجب حينها أن تكون المنظومة الصحية بشكل عام، من النقل إلى الاستشفاء في المستعجلات وغيرها، في مستوى اللحظة لتشريف بلادنا، ونفس الأمر بالنسبة للحدث العالمي المرتقب في 2030 المتمثل في المونديال، فهل بنفس الأسطول المتهالك والمتآكل، وبنفس الآليات المفتقدة لكل أشكال التدخل الاستعجالي، وفي ظل غياب التنسيق الجماعي لضمان تدخل فعال سنتعامل مع مثل هذه الأحداث الكبرى، أم أن الإصلاحات التي يعرفها قطاع الصحة خلال الفترة الأخيرة ستشمل هذا الجانب الحيوي المرتبط بضمان الحق في الحياة؟
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 17/06/2025