بالصدى .. التواصل الصحي

وحيد مبارك

انخرطت مجموعة من الجمعيات العالمة في مجال طب الرضع والأطفال في حملة تواصلية واسعة، تفاعلا مع الوضع الصحي الذي تعرفه بلادنا والذي تسبب فيه مرض الحصبة، وذلك لتقديم التوضيحات العلمية الضرورية المتعلقة بالمرض وباللقاح المضاد له، ولإبراز الخطورة التي تكمن في عدم تلقيح الأطفال ضد الداء وتوضيح تأثير ذلك عليهم وعلى محيطهم، بالنظر إلى أن تداعيات بوحمرون تطال الصغار والكبار، تأسيسا على سرعة انتشاره وحجم انتقال العدوى.
تواصل، دعت إليه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية كذلك، التي خرج بعض المسؤولين بها للحديث عن الموضوع، إلى جانب البلاغات التي تصدر بين الفينة والأخرى، وباعتماد طرق وأشكال مختلفة غايتها إيصال المعلومة الصحيحة للمواطنات والمواطنين. لكن الملاحظ أنه إلى جانب هذا التواصل «العلني» لكونه موّجه لعموم الجمهور الواسع، فإن هناك تواصلا خاصا، قد لا ينتبه إليه الجميع، والحال أنه يتعين منحه الأهمية الضرورية، وبذل جهد كبير لضمانه، والذي يمكن نعته بكونه «العمود الفقري» لكل نجاح، وهو المتعلق بالتواصل المباشر في المراكز الصحية، التي هي المدخل الأول للعلاجات وللصحة، مع الأمهات خصوصا، اللواتي يتوجهن إلى هذه المرافق للاستفادة من البرامج الصحية المختلفة، أو من أجل فحوصات وطلبا للدواء، أو من أجل الحصول على التلقيح.
هذا التواصل «الداخلي» أو «الخاص»، تؤكد الوضعية الوبائية المرتبطة ببوحمرون اليوم، أنه عرف خللا في مكان ما، وافتقد للنجاعة المطلوبة في فترات ما، لأنه لو تم الحرص على تحسيس وتوعية الأمهات والآباء عند كل زيارة للمركز الصحي، لغاية من الغايات، بضرورة عدم تفويت حصص التلقيح، واستدراكها إذا ما كان هناك من عائق حال دون حصول الرضيع والطفل على لقاح من اللقاحات المندرجة ضمن البرنامج الوطني للتمنيع، لأمكن تلقيح نسبة مهمة من الذين إما حصلوا على جرعة واحدة من اللقاح ضد الحصبة أو الذين لم يحصلوا على الجرعتين معا.
لقد تتبعنا كيف أن الشغيلة الصحية انخرطت في أشكال احتجاجية مختلفة، ساهمت في توقيف عجلة عمل المراكز الصحية الأولية، بسبب الإضرابات التي تم خوضها، وهو حق احتجاجي مشروع للدفاع عن حقوق مهنيي الصحة، لكن هذا الوضع يعني في المقابل بأن مواطنين جاؤوا من أجل تلقيح فلذات أكبادهم في مواعيد معينة ولم يتمكنوا من ذلك فرجعوا إلى منازلهم دون العودة مرة أخرى، وهذا مثال واحد من بين أمثلة عديدة، لأن عدم التلقيح في الموعد المحدد قد يكون كذلك بسبب مرض هذا الرضيع أو ذاك تزامنا وموعد أخذ اللقاح، وغيرها من الأسباب المختلفة، التي تتطلب من المهنيين المعنيين، التواصل الدقيق مع الأسر وتقديم المعلومات الكاملة، وتوضيح أهمية التلقيح حتى في حال ما إذا فات الموعد الذي كان محددا لعامل من العوامل، حتى يتوفر الآباء والأمهات على صورة واضحة تتعلق بهذا الموضوع تجعلهم يصطحبون صغارهم ويعودون بهم إلى المركز للحصول على التلقيح الذين هم في حاجة إليه.
إننا اليوم في سباق ضد الزمن، تتطلب تواصلا صريحا ومسؤولا، في مواجهة كمّ المعلومات المضللة والإشاعات التي تبث الرعب في النفوس وتنفّر المواطنين من التلقيح، علما بأننا نتحدث عن لقاح ظل مستعملا في بلادنا لأزيد من أربعة عقود، وفقا لتأكيد المختصين والخبراء في المجال، لأنه الكفيل بزرع الثقة وتبديد المخاوف وتوضيح المغالطات، لأن المعركة اليوم لا تقتصر على بوحمرون وإنما تشمل أمراضا أخرى يجب قطع الطريق أمام عودتها بقوة، وحماية الصحة العامة من كل «تقصير» قد يؤدي على ما لا تحمد عقباه، وهو ما لا يتمناه أي واحد منا.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 04/02/2025