بالصدى .. بوحمرون والأسئلة المعلّقة

وحيد مبارك
ترافق موجة بوحمرون التي تعرفها بلادنا حالة قلق واسعة؛ لا تقف أسبابها عند تداعياته القاتلة، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بداء شديد العدوى، إذ أن مصابا واحدا يمكنه أن ينقل المرض إلى حوالي 18 شخصا آخرين، وهو ما يبين حجم المراضة والإماتة كذلك التي ترتبط بالحصبة؛ بل تشمل كذلك حالة التيه التي ترافق انتشار الداء، بالرغم من التصريحات والخرجات الرسمية التي تتحدث عن تبني سياسة تواصلية مع عموم المواطنين.
هذا المرض الذي يؤكد المختصون بأنه ليس بالعادي، ويصفونه بالفتاك نظرا لنسب انتشاره مقارنة بالأمراض السارية الأخرى، لا توجد معلومات واضحة عنه اليوم، إلا ما يتعلق بالرضع والأطفال الصغار، من خلال التأكيد على ضرورة الاستفادة من جرعتين لا جرعة واحدة، الأولى في الشهر التاسع من عمر الرضع والثانية في الشهر 18، والحديث عن حملة استدراكية للتلقيح، أما ما يرتبط بفئات عمرية أخرى نموذجا، فتغيب كل معلومة في هذا الإطار، الأمر الذي يجعل الكثيرين يطرحون أكثر من علامة استفهام؟
مرض الحصبة، الذي تسبب في وفاة 120 شخصا من مختلف الأعمار، وفقا لأرقام رسمية التي قد تكون ارتفعت خلال الأيام الأخيرة؛ وهو ما لا يتمناه أي أحد؛ فتك بـ 24 في المئة من ضحاياه الذين تتجاوز أعمارهم 37 سنة، و 15 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 36 سنة، أي أننا لا نتحدث عن صغار السن فقط الذين لم يحصلوا على جرعة أو جرعتين خلال زمن جائحة كوفيد 19، كما يؤكد ذلك المتحدثون باسم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والحكومة، فالأمر يتعلق إذا بأجيال مختلفة، ضمنها جيل قد يكون حصل على جرعة واحدة قبل وما بعد انطلاق العمل بالبرنامج الوطني للتمنيع في بلادنا في الثمانينات، وأجيال سابقة تعود لسنوات قبل ذلك، بعضها على علم بحصوله على جرعة من اللقاح، في حين أن الكثير من المواطنين لا يتذكرون شيئا ولا يتوفرون على أي معلومة بهذا الخصوص، وهو ما يجعلهم في وضعية حيرة، إن كان يجب عليهم اليوم التوجه لأقرب مركز صحي «سبيطار الحومة» للحصول على اللقاح أم أن قطار التلقيح قد فاتهم، كما كان يعتقد ذلك العديد من الآباء والأمهات، الذين حلّ موعد تلقيح أبنائهم ووجدوا أبواب المراكز الصحة مقفلة بسبب الإضرابات أو لغيرها من الأسباب؟
يبدو أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ترى في التواصل ما تعتقده مناسبا بالنسبة لها لا ما ينتظره المواطنون منها، وعلى ذكر هذه النقطة، كيف يمكن الادعاء بتبني تواصلية في ظل عدم ردّ عدد من المسؤولين عن الاتصال والرسائل الموجهة إليهم، للاستفسار على هذه الأزمة وما يحيط بها ولتقديم أجوبة على مختلف الأسئلة التي تؤرق بال المغاربة، وهي الوضعية التي اشتكى منها حتى «الإعلام المرئي» ولا تقتصر على مكوّن دونا عن غيره؟
لقد بات مرض الحصبة اليوم موضوع حديث الكل، مغاربة وأجانب، ويكفي الاطلاع على القصاصات الخبرية والمواد الإعلامية التي أنجزتها مختلف وسائل الإعلام المحلية وفي دول أخرى، للوقوف على حجم القلق المرتبط بالموضوع، الذي يتطلب تحلّيا حقيقيا للمسؤولية، وخروجا إعلاميا ناضجا، وتقديما لكل الشروحات والتوضيحات، إذ لا يكفي إعادة تحيين دليل من طرف ثلاث مديريات بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية؛ ويتعلق الأمر بمديرية المستشفيات والعلاجات المتنقلة ومديرية السكان ومديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض؛ وتعميمه على مهنيي الصحة، الذين منهم من لا يزال يجد لبسا في تحديد نوعية المرض وكيفية التعامل معه، لكي يقال بأن الوزارة الوصية على صحة المغاربة تتواصل بخصوص المرض، فإذا كان بيننا أطباء لم يتعاملوا في مسيرتهم مع بوحمرون ولا يعرفون عنه شيئا فماذا سنقول عن عموم المواطنات والمواطنين؟
إن خطورة بوحمرون، لا يمكن مواجهتها كذلك بكبسولات نمطية، بل بخروج مستمر ودائم لكل المسؤولين من وزراء ومدراء وخبراء وغيرهم، في مختلف القطاعات المعنية، فالمرض الذي يصيب الشخص ولا تظهر أعراضه إلا بعد أسبوع أو أسبوعين وأحيانا ثلاث أسابيع، وينشر عدواه خلال كل هذه المدة الزمنية في صمت، والذي لا يتوفر دواء مضاد له، باستثناء التلقيح، الذي هو أيضا غير متاح لكل الفئات والشرائح العمرية، كما هو الحال بالنسبة للنساء الحوامل وللمصابين بداء فقدن المناعة المكتسبة «السيدا»، يحتاج إلى توعية فعلية وإلى تواصل مستمر وإلى تقديم كل المعطيات الضرورية، سواء تعلق الأمر بانتشاره وبالبؤر المسجلة بخصوصه، أو بتقدم عمليات التلقيح، وبتعزيز ثقة المواطن في المسؤول وخطابه، وتبسيط مساطر مواجهة المرض وضمان الأمن الصحي في بلادنا.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 28/01/2025