بالصدى .. حكومة بنكيران .. «بويا عمر» والصحة النفسية المشوّهة

وحيد مبارك
تتبّع جميع المهتمين بالصحة في مفهومها الشامل، والصحة النفسية خاصة، ومعهم عدد كبير من الفاعلين في المجالين الحقوقي والاجتماعي خطوة حكومة بنكيران ومعها وزير الصحة الحسين الوردي آنذاك، المتمثلة في إطلاق عملية سنة 2015 من أجل إغلاق ضريح «بويا عمر» الذي كان فضاء لامتهان الكرامة الإنسانية ولممارسات مؤلمة ظل يتعرض لها عدد مهم من المصابين بأمراض نفسية وعقلية طيلة سنوات، مقيّدين إلى سلاسل وفي وضعيات حاطة من الكرامة.
ممارسات فظيعة كانت الجدران الداخلية للضريح مسرحا لها والتي لم يكن أحد ليقبل بها، باستثناء من وجدوا في هذا الفضاء طوق «نجاة» لهم من المعاناة التي كانوا يعيشونها مع مرضاهم، في حين أنه كان مصدر عذاب متواصل لـ «النزلاء» الذين لم يكونوا إلا سجناء يعيشون وضعية أحطّ مما تعرفه أقبح السجون في العالم، وبالتالي لقيت المبادرة الحكومية ترحيبا واسعا، من أجل القطع مع تلك الفوضى التي كانت تدر أمولا طائلة على المنتفعين منها، وتغرق المرضى المحتفظ بهم هناك في غياهب الألم والضياع.
وإذا كانت حكومة بنكيران قد رفعت شعار «الكرامة» في خطوتها لإغلاق بويا عمر، ووعدت بـ «نصر» صحي كبير، وبطيّ صفحة من صفحات الفظاعة المنتهكة لحق من حقوق الإنسان الأساسية، حيث أعلنت في 29 من شهر يونيو من نفس السنة عن نهاية المرحلة الأولى من مبادرتها، فإن الأيام التي تلت هذه «العملية القيصرية» التي قامت بها، والتي لم تكن بالطويلة، كشفت بأن كل ما تم تقديمه من وعود قد تبخّر لأن البنية الاستشفائية الخاصة بالصحة النفسية كانت عاجزة عن استقبال الكمّ الكبير من المرضى، الذين يزداد أعدادهم يوما عن يوم بفعل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والأعباء المتعددة التي ترخي بوقعها وتبعاتها على نفسية المواطنين.
هذه «العملية» التي شوّهت الصحة النفسية والعقلية أكثر في بلادنا، والتي كان يراد بها «تجميل» وضع هو قبيح وبشدّة، فشلت فشلا ذريعا، وهو ما يمكن للجميع ملامسته اليوم على بعد عشر سنوات من خطوة إغلاق «بويا عمر»، فالعديد من الأسر تعيش معاناة كبيرة من أجل الحصول على موعد من أجل فحص طبي لمرضاها بمصلحة استشفائية عمومية، أما المكوث بالمستشفى والاستشفاء به لمدة معينة فهذا يعتبر من سابع المستحيلات، والسبب بسيط، لأن عدد الأطباء والممرضين المختصين في هذا المجال محتشم، وعدد الأسرّة المخصص يبقى ضعيفا ودون المعدّل وبالتالي لا يستوعب حجم الطلب، ولأن أجنحة هذه المصالح مكتظة، تجمع نزلاء السجون المرضى بغيرهم في عدد من المستشفيات، والأدوية قليلة إن لم تكن منعدمة خاصة من الجيل الجديد، وهي الأعطاب التي ظل المهنيون أنفسهم ينتقدونها ويطالبون بإصلاح فعلي لهذه المرافق والعمل على أنسنتها.
هذا الوضع جعل بعض الأسر تتجه إلى القطاع الخاص بالرغم من كلفة العلاج الباهظة فيه، ومن لم يستطيع القيام بذلك، فهو إما يحتفظ بمريضه «معتقلا» في مكان ما في البيت، أو يحاول تدبّر فضاء آخر شبيه بـ «بويا عمر»، حيث تم في هذا ا لإطار في وقت سابق اكتشاف ضيعة فلاحية في منطقة العطاوية كادت في لحظة من اللحظات أن تتحول إلى «نزل» بديل، في حين أن الكثير من الأسر تخلّت عن مرضاها بعد أن أعياها التكفل بهم ماديا ومعنويا، وكذلك مخافة التعرض للعنف وتبعاته من طرفهم، فاحتضنهم الشارع في غياب تدخل للتكفل بهم في مكان يصون كرامتهم حقاّ.
فئة من المغاربة، باتوا مثل «الجمرة الخبيثة» غير المرغوب فيهم، أو «الكرة» التي يتقاذفها الجميع للتملص من المسؤولية، حيث أصبح المواطنون يعاينون يوميا إما تجاهلا تاما لهؤلاء المرضى وتركهم يهيمون في الطرقات، معرضين أنفسهم للخطر ومهددين سلامة الغير هم وممتلكاتهم، أو يتم تجميعهم في دوريات للسلطة المحلية من تراب هذه العمالة أو الإقليم ونقلهم إلى التراب المجاور خارج النفوذ الإداري، وهو ما تم توثيقه مرات ومرات عديدة في أماكن مختلفة، في الدارالبيضاء وخارجها، ويكفي القيام بجولة في منطقة درب السلطان للوقف على عدد المرضى إما على مستوى طريق اولاد زيان أو في حي الأمل والمحطة الطرقية أو شارع الفداء أو غير ذلك، وهنا على سبيل المثال لا الحصر، يبقى من المؤلم جدا تجول سيدة تعاني من اضطرابات نفسية عارية كما ولدتها أمها لأول مرة في شارع الفداء وفي باقي أحياء العمالة مرات ومرات، أمام مرأى ومسمع من الجميع، دون أن يتدخل أي كان للقيام بما يلزم، رأفة بهذه المريضة وبالمارة وعموم المواطنين عىل حد سواء، الذي يشيحون بوجوههم إلى زاويا أخرى حين مرورها، وليس لهم من حيلة سوى ترديد عبارة «الله يستر».
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 23/06/2025