بعد القرار الأممي: جلالة الملك يرسم ملامح التحول من الترسيخ إلى التمكين
فيصل العراقي
في مساء استثنائي من يوم أمس، وبعد ساعات قليلة من اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار 2797-2025 حول الصحراء المغربية، خرج جلالة الملك محمد السادس بخطاب للأمة المغربية حمل في طياته نبرة الفخر والمسؤولية معا.
لم يكن خطاب جلالة الملك احتفالا بانتصار دبلوماسي فحسب، بل شكل إعلانا رسميا عن انتقال المملكة المغربية من مرحلة الدفاع عن الشرعية إلى مرحلة صناعة الإجماع الدولي حول رؤيته.
المغرب .. قرار أم تتويج لمسار؟
حين قال جلالة الملك: «أشارككم فرحة قرار الأمم المتحدة… فقد آن وقت المغرب الموحد» ، لم يكن ذلك مجرد تعبير عن شعور وطني، بل تلخيص لمسار امتد لعقود من العمل المتراكم على المستويين السياسي والميداني.
فالقرار الأممي ليس محض صدفة، بل نتيجة تتويج لثلاثة مسارات متوازية:
* أولا: ترسيخ الشرعية الواقعية عبر مبادرة الحكم الذاتي التي أصبحت المرجع الدولي الوحيد المعترف به كحل واقعي قابل للتطبيق.
* ثانيا: تعزيز الحضور التنموي في الأقاليم الجنوبية من خلال مشاريع البنية التحتية، الطاقات المتجددة، والاقتصاد البحري.
* ثالثا: إعادة تموقع المملكة المغربية دوليا كشريك استراتيجي موثوق في ملفات الأمن والهجرة والاستقرار الإفريقي.
هكذا تحول الملف من قضية «نزاع إقليمي» إلى قصة نجاح دولة استطاعت أن تقنع العالم بجدوى رؤيتها.
من خطاب الدفاع إلى خطاب البناء
ما يميز هذا الخطاب عن خطابات جلالة الملك السابقة هو أنه تحرر من لغة الدفاع التبرير، حيث أن المملكة لم تعد تتحدث عن «حقوق تاريخية» أو «المؤامرات خارجية»، بل صارت تتحدث عن مشروع دولة موحدة تبني واقعا على الأرض.
إنه خطاب الملك محمد السادس يشكل خطاب قائد يدرك أن المعركة لم تعد في أروقة نيويورك، بل في ميادين التنمية والتعليم والاستثمار في الداخلة والعيون السمارة،لقد قالها الملك بوضوح : ” المرحلة المقبلة هي مرحلة ترسيخ التنمية كضمانة نهائية للوحدة الترابية” .
بهذا المعنى، انتقل الخطاب من الدفاع عن الحدود الترابية للملكة إلى الدفاع عن جودة الحياة داخل هذه الحدود .
رسائل دقيقة إلى الخارج
في كواليس مجلس الأمن الدولي ، قرأت العواصم الكبرى هذا الخطاب كإشارة واضحة إلى أن المغرب يتعامل مع الشرعية الدولية من موقع القوة لا التبعية.
فالولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القلم، وجدت في الخطاب المغربي تأكيدا على التزام الرباط بالمنهج الأممي دون أن تتخلى عن سيادتها.
أما الجزائر، التي غابت عن التصويت، فقد وجدت نفسها أمام لغة مغربية هادئة لكنها حاسمة مفادها أن الحوار ممكن، ولكن ليس خارج الحدود الشرعية المغربية.
إنها دبلوماسية الاحترام لا المجابهة، تلك التي تصنع الثقة بدل الصراع، وتبني التحالفات بدل الخطوط الحمراء.
الرمزية الكبرى وتزامن القرار مع ذكرى المسيرة الخضراء.
لقد تزامن القرار الأممي مع اقتراب ذكرى المسيرة الخضراء الأمر الذي منح الخطاب بعدا وجدانيا فريدا.
ففي حين كانت المسيرة سنة 1975 إذانا بعودة الأرض إلى الوطن، جاء القرار 2797 سنة 2025 تأكيدا على أن العالم عاد إلى منطق المغرب، وبهذا الأمر تتكامل الرمزية الوطنية مع الواقعية الدبلوماسية، إنها انتقال من مسيرة الأجساد إلى مسيرة الأفكار،ومن تحرير الأرض إلى تثبيت الشرعية.
نحو دبلوماسية الثقة المغربية
في حيث الجوهر، لقد كان خطاب جلالة لملك محمد السادس بعد هذا القرار الأممي وثيقة استراتيجية أكثر منه خطابات احتفالي، حيث يضع أسس مرحلة جديدة من الريادة المغربية الهادئة، التي لا تكتفي بالدفاع عن الصحراء، بل تجعل منها منصة إشعاع نحو إفريقيا والعالم.
اليوم، لم يعد المغرب ينتظر من العالم أن يعترف بصحرائه… بل أصبح العالم هو من يعترف بحكمة المغرب في إدارة نزاعٍ طال أمده، وبقدرة المغرب بالقيادة الحكيمة للمملكة محمد على تحويل الجغرافيا إلى رؤية مستقبل.
الكاتب : فيصل العراقي - بتاريخ : 02/11/2025

