رسالة الانتخابات الفرنسية إلى مكونات اليسار المغربي

محمد الموموحي

يتابع الرأي العام المغربي والعالمي، باهتمام كبير، الإنجاز الباهر الذي حققه اليسار الفرنسي وحصوله على الأغلبية بالبرلمان الفرنسي بعدما قلب الطاولة على اليمين المتطرف، الذي احتل المرتبة الأولى في اقتراع الدور الأول في هذه الانتخابات العامة المبكرة، التي كان قد دعا الرئيس الفرنسي إلى إجرائها بعد الهزيمة التي مني بها حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي تصدرها اليمين المتطرف بقيادة زعيمته Marlin le Pen ، وتمكن اليساري الاشتراكي
،  Jean Luc Mélenchon هذاالزعيم السياسي المخضرم المزداد بمدينة طنجة، والذي سبق له أن تحمل مسؤولية وزارة التعليم في عهد الرئيس الاشتراكيLiionel Jospin
بذكائه وحضوره القوي في نضالات المجتمع، من قلب الطاولة على اليمين المتطرف، وعلى محور الرئيسMacron  ، بعدما تمكن من تشكيل جبهة يسارية جديدة في أقل من شهر على خوض غمار هذه الانتخابات، من حزب:فرنسا الأبية، الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي، حركة الخضر، وفعاليات يسارية أخرى، على قاعدة برنامج سياسي مناهض للتوجهات اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين والمهددة لقيم المساواة ولمبادئ الثورة الفرنسية، وبرنامج إصلاحي يقوم على :
– وضع سقف أقصى لأسعار المواد الأساسية وفي مقدمتها الطاقة.
– الرفع من الحد الأدنى الصافي للأجر إلى1600 €.
-إقرار ضريبة تصاعدية على الثروة.
-إلغاء التعديلات على نظام التقاعد الذي مرره الرئيسMacron  .
-إجراء تعديلات جوهرية على سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال الزراعة والطاقة.
وعلى مستوى السياسة الدولية والخارجية إعلانه الصريح والشجاع عن دعم القضية الفلسطينية وإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، ومعارضة سياسة الاستيطان مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار الموقف الإسباني وغيرها، ضمن مسلسل إحقاق السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط، كما سبق وأن عبرت عن ذلك زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب فرنسا الأبية داخل البرلمان الفرنسي في وجه رئيس الحكومة الفرنسية الحالي                 Gabriel Attal .
هذا النجاح الباهر الذي حققه اليسار الفرنسي من خلال نتائج الاقتراع الذي عرف مشاركة قياسية وصلت إلى حوالي70% من عموم الناخبين الذين انتبهوا إلى خطورة الدعوات العنصرية التي كانت تتربص بقيم الجمهورية، التي كانت قاب قوسين من الانقضاض على مؤسسات الدولة، بعدما زحف في شرايين النسيج الثقافي للمجتمع، كان مدخله ورافعته هو مستوى الوعي المسؤول لدى النخبة اليسارية الفرنسية التي ألغت كل خلافاتها الثانوية واتحدت ضد التناقض الرئيسي الذي يمثله اليمين المتطرف .
في حالتنا المغربية من المؤكد أن النخبة السياسية المنتمية لليسار، بكل مكوناته، قد تابعت المشهد الفرنسي وفرحت للنتائج التي تحققت في فرنسا، ومن المفروض أن تكون قد طرحت أمامها السؤال السياسي الملح للبحث في صيغ توحيد مكونات اليسار المغربي، أو على الأقل، بعث هذه الروح الكامنة في الوعي الجماعي لعموم أجيال اليسار، الذي يعاني من واقع التشتت والانقسام وصل في العديد من المرات إلى حد القطيعة والاتهامات بالتخوين، وراكم الهزائم الانتخابية في مجمل الانتخابات المغشوشة أو التي أقل غشا أو حتى النزيهة منها، رغم بعض النجاحات أو بعض التقدم التي حققه الاتحاد الاشتراكي في آخر استحقاقات وبعده حزب التقدم والاشتراكية.
فهل يتمكن اليسار المغربي من استيعاب رسالة اليسار الفرنسي، الذي حقق هذا الإنجاز بفضل توحيد جهود مكوناته وتنازل العديد من رموزه عن أنانيتهم الفردية لصالح الفكرة الجماعية المنقذة لقيم التقدم والمصالح العليا للبلاد .
أكيد أن أحزابنا اليسارية المغربية تتقاسم هذه القناعات، ولكنها لاتزال مترددة في بلورة خطوات ملموسة لاستعادة الثقة البينية، وأمام تغول أحزاب الأغلبية المشكلة للحكومة، واستمرارها في نهج سياسة فاقمت من أوضاع الأزمة العميقة التي تعيشها الطبقات الشعبية والفئات الاجتماعية الهشة، وعجزها عن حل مشاكل التعليم والصحة وطلبة كليات الطب والارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة وارتفاع مستوى المديونية والبطالة، لم يعد من سياسة ممكنة لإيقاف هذا المنحنى سوى بخلق جبهة يسارية ديموقراطية تعيد الاعتبار إلى العمل السياسي وتعيد للناخبين الثقة في العملية الانتخابية وفي السياسة، وهكذا قد نشرع في خلق ميزان قوى جديد واعد، وننطلق معه ببلادنا إلى حال أفضل، يكفى أن نزيح من لا شعورنا السياسي ثقافة أنه لا مقارنة بين حالتنا مع الحالة الفرنسية، وهذه صيغة عصرية من الجمود الفكري والتخلف الديماغوجي ليس إلا.
يكفي القطع مع أحكام القيمة التي ترسخت في ثقافتنا السياسية السطحية تجاه بعضنا البعض، والتي تجاوزها الزمن ويرفضها الوفاء لجسامة التضحيات التي قدمتها أجيال اليسار في أزمنة الرصاص في الزنازين والمعتقلات السرية، التي وحدت سابقا اليسار في معاناته وآلامه وأحلام شبابه في الحرية والديموقراطية وفي عزة الوطن قبل أن تنقلب إلى جحود وقطيعة طيلة عقود كادت أن تعصف بهذا المشترك الجميل.
ويمكن أن ندشن خطوات أولية في هذا السياق المنتج الذي سنتخلص فيه من عبء الكثير من أخطائنا وأنانياتنا المدمرة ومن عجزنا الجماعي.
يكفي أن نستحضر تجربة المرشح المشترك بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، كيف صنعت الفرق رغم أنانيات السياسيين آنذاك لكنها كانت رسالة سياسية مررنا بها إلى بداية تحول نوعي في تجربتنا الديموقراطية المغربية الناشئة …
هذا السؤال يطرح نفسه بقوة على:
* الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي طالما مد يده لمختلف قوى اليسار لتنسيق الجهود وتقريب المواقف في العديد من المحطات، كما استوعب العديد من التشكيلات السياسية التي اندمجت معه وواصلت مسيرة النضال الديموقراطي…
(الحزب الاشتراكي الديموقراطي + جزء من قيادة منظمة العمل الديموقراطي ÷ الحزب العمالي الذي كان انشق من الاتحاد ثم عاد + فعاليات يسارية أخرى).
* التقدم والاشتراكية
* الحزب الاشتراكي الموحد
* فيدرالية اليسار
* وإلى كل الفعاليات اليسارية…
ولا بديل لنا إلا بالانتصار لوحدة اليسار بلا مزايدات وبلا تردد .
تحية إلى كل المؤمنين بقيم اليسار، والعاملين على توحيد مكوناته في جبهة يسارية ديموقراطية قوية في أفق خوض الانتخابات المقبلة بواقعية منفتحة على كل الطاقات الوطنية التي نتقاسم معها قيمنا المشتركة…

الكاتب : محمد الموموحي - بتاريخ : 13/07/2024