سنوات الهجرات .. طفرات إيجابية وأخرى غير ذلك

بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي

«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى لله ورسوله فهجرته إلى لله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» حديث.
هجرات من أجل العيش والأمن عبر تاريخ البشرية في كل الاتجاهات منها اليومية والدورية والفصلية، وهجرات ورحلات من أجل المعرفة والعلم والاستكشاف والترقي الفكري والروحي والنفسي والتربوي، وهجرات للأفراد بأنفسهم وأفكارهم يحملون معهم ذواتهم المثقلة بالمغريات والمطامع و… في تناقض وتضارب مع المبادئ والأخلاق الإنسانية والعقل، وفي مقابل تلك الهجرات نرى عالم الحيوانات والطيور والأسماك يمارسون طقوس الهجرة في أوقاتها المحددة بالفطرة والتجربة وانتقال رسالة أنماط العيش والتنقل من جيل لجيل في احترام تام لمبادئها وخطها، الذي يحقق الاستمرارية والتكاثر والتوازن الطبيعي، الذي فيه مصالح لا تعد ولا تحصى لكل الأنواع والأمم بما فيهم الإنسان..
إن الهجرات عبر التاريخ حملت معها تحولات عديدة وأرست تنوعا وتمازجا وتلاقحا بين الثقافات والحضارات وأنتجت لنا ثراء لغويا ومعرفيا وعلميا وجعلت الشعوب والأمم والدول تتعارف وتتنافس بكل الطرق من أجل التحكم في الناس والأرض والثروات عندما تتضارب وتتعارض مصالحهم الضيقة وتتضخم أطماعهم، كما أنها فتحت الأبواب للمهاجرين من أجل التعلم والبحث عن العمل وأتاحت فرصا عظيمة لظهور علماء وخبراء ومبدعين في جميع الميادين عبر التاريخ أصبحت لهم مكانة رائدة على المستوى العالمي…
فإذا كانت هجرة الأنبياء والرسل معللة وحققت المطلوب منها سواء في هجرة سيدنا موسى أو سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام، فإن هجرة العديد من المعارضين بوطننا وفي سائر البلدان كانت طريقا أنقذهم ورفعوا العنث عن أحزابهم فقاموا بأدوار مهمة للتعريف بمبادئهم وقضاياهم الوطنية ليقدموا خدمات متميزة في الترافع عن قضايا وطنهم وشعبهم وليسدوا للمجال الحقوقي والإصلاحي خدمات عظيمة، وليساهموا بهجرتهم في إطار العودة لبلدانهم في النضال العملي لطي صفحات الماضي القمعية والرصاصية واللاإنسانية، بل وقاموا بتوافق مع الدولة في تناوب أريد له أن يكون بالتوافق كمرحلة انتقالية نحو تثبيت الديموقراطية وإرساء العدالة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، التي يتمناها الشعب ويستحقها حتى يكون في مصاف الدول العظمى قولا وعملا وفعلا ..لكن «مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ  ** تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ» ..
وما أصبح مزعجا، بشكل كبير، ألحق الضرر بالناس وبنبل رسالات الدين والحكمة في السياسة والعلاقات البناءة وخلخل الاقتصاد والاستقرار هو تغول هجرة الفيروسات بظهور أنواع منها تمتلك قدرات على التحور والتغير تتحدى به اللقاحات والعلماء واحتياطات المتهورين وحتى الحذرين، جعلت الكافرين بالعلم والتكنولوجيا وتطور الطب والتطبيب والتداوي الصحي السليم يؤمنون هم أيضا بالتقدم العلمي مستسلمين للأطباء وشغيلة قطاع الصحة، متأكدين أن التداوي والعلاج يكون بالأخذ بالأسباب التي لا تكون إلا بالعلم التجريبي والنزاهة العملية والتشبع بالقيم الإنسانية الكونية بعيدا عن الخرافات والشعوذة واستغلال الدين أوالمال أو هما معا لابتزاز الناس واستنزاف أرزاقهم وطاقتهم بطرق عبثية…
وفي سياق التنقلات، التي يفتعلها الإنسان بشكل سلبي لقضاء مآرب خاصة أو فئوية وتحكمية لايمكن أن تدخل ضمن مسميات الهجرات المشار إليها لأنها متشبعة بأهواء النفس الأمارة بالسوء، التي تقوم بكل الأفاعيل المتوقعة وغير المتوقعة المؤنسنة والمشيطنة، لأنها شديدة التحور ولا تخضع لأي لقاح بل تحتاج إلى مسيرة شاملة للتوعية وإعادة التكوين والتربية والتأهيل والتحصين الفكري والمعرفي والأخلاقي والإنساني للمجتمع للتخلص من طفرات التحور والمتحورين، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، يصلون خلف علي ويسبون الحسن والحسين ويناصرون اليزيد ويبيعون يومهم بغدهم ولا يرون أي مصلحة إلا إن كان لهم نصيب منها أو بعدهم الطوفان، نسأل لله الشافي أن يرفع عنا كل أشكال البلاء والوباء ..قال تعالى (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا) .وقال: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

الكاتب : بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 13/08/2021