في بعض خلفيات الموقف الإسباني
نوفل البعمري
الموقف الجديد، الذي عبرت عنه الحكومة الإسبانية في رسالتها التي وجهها باسمها رئيسها بيدرو سانشيز للعاهل المغربي، التي أوضح فيها طبيعة موقفها من قضية حيوية للمغاربة ومصيرية بالنسبة للأمة المغربية لا محيد لهم عنها وعن تحقيق المزيد من المكاسب السياسية لطي هذا النزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية الجنوبية الذي طال أمده، والذي بات قاب قوسين أو أدنى من طيه نهائيا بعد أن انضافت إسبانيا إلى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وقبلهم جمعياً مجلس الأمن في دعم خيار الحكم الذاتي، الذي بات الحل الوحيد لإنهائه، وفقا لميثاق الأمم المتحدة ولخارطة الطريق التي وضعتها الأمانة العامة للأمم المتحدة، ومضامين قرارات مجلس الأمن، هذا الموقف يؤكد أن إسبانيا اليوم تتحرر من كل الضغط التاريخي، الذي خلفه الجنرال فرانكو والمرحلة الكولونيالية ذات الطبيعة التوسعية لإسبانيا في المنطقة بكل مخلفاتها السياسية، الجغرافية وعُقدها التاريخية، إسبانيا التي كانت تصف الأقاليم الصحراوية في أدبياتها التاريخية ب»الصحراء الإسبانية»، وكانت في مرحلة ما تريدها أن تكون جزءا منها في المنطقة عندما حاولت منح الإقليم «حكما ذاتيا» تابعا لها يدين لها بالولاء، وهو المخطط الذي واجهته الساكنة المحلية بانتفاضة قوية بحيث سارعت، وهي تقرر مصيرها، وهي تعلن الولاء والوفاء للعرش العلوي وللمملكة المغربية، ليتم إجهاض هذا الحلم الذي كبَّل القادة السياسيين الإسبان منذ سنة 1975، الموقف الذي دفعهم للترنح بين البقاء في دائرة تعقيدات الماضي والتوجه للمستقبل، ليتم حسمه في النهاية نحو التحرر من التاريخ الكولونيالي الإسباني وقبول الحقيقة التاريخية التي تقول إن الصحراء «الغربية» كانت وستظل إقليما مغربيا، خاضعا للسيادة الإدارية، السياسية والاقتصادية للمغرب، بعد أن تسلم مفاتيحها من إسبانيا نفسها، وأن الساكنة منذ حدث المسيرة الخضراء وقبله في الانتفاضات التي فجرتها ضد الاستعمار الإسباني معبرة عن اختيارها البقاء في حضنها المغربي وانتمائها لعمقها التاريخي، الديني والسياسي.
في تحديد أهمية الموقف: لابد بداية من توضيح طبيعة الموقف الإسباني الجديد وأهميته باعتباره يأتي من دولة كان لها حضور تاريخي في المنطقة، تُعتبر من مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية بمجلس الأمن التي تساهم في مناقشة المسودة التي تعدها الولايات المتحدة الأمريكية قبل عرضها على مجلس الأمن، ويُعتبر رأيها مهما نظرا للتأثير الإسباني التاريخي في النزاع، كما أنها هي من وقعت اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا، وهي التي ظلت لسنوات الأرضية الخلفية للبوليساريو في أوروبا ومعقلهم التاريخي والحاضنة للتيار الأوروبي الداعم للطرح الانفصالي بالصحراء، بمعنى أن هذا الموقف لا يأتي من دولة عادية، بل من دولة لها تأثيرها التاريخي في الملف، وهو موقف لا يقل أهمية عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يأتي من دولة لها تأثير وحضور تاريخي مباشر في النزاع.
كما أنه موقف يأتي من أحد أكبر الأحزاب السياسية الإسبانية ذات التوجه اليساري، فرغم أن قياداته التاريخية ظلت مقتنعة منذ سنوات بالحفاظ على الثقة مع المغرب وبدعم مبادرة الحكم الذاتي بدءا من قيدوم الاشتراكيين الإسبان فيليبي غونزاليس إلى ثاباتيرو الذي أعلن بنفسه أنه اقتنع منذ سنة 2008 بأهمية مبادرة الحكم الذاتي وببناء شراكة واضحة مع المغرب قوامها الثقة المتبادلة،إلا أن اختيارات الحزب الأديولوجية ظلت «وفية» للموقف التقليدي للحزب من النزاع متأثراً بالجناح اليساري داخله، هذا الحزب الذي له حضور سياسي قوي في إسبانيا عبَّر أخيراً أمينه العام الذي هو نفسه رئيس الحكومة الإسبانية عن موقف جديد من نزاع الصحراء الذي سيكون له، و بلا شك، تأثير وأثر ليس فقط على السياسة الخارجية لدولته، بل سيحدث ثورة داخلية في أدبيات الحزب نفسه الذي خصص في مؤتمره الأخير ورقة حول «قضية الصحراء الغربية» التي أعلنت الورقة المقدمة للمؤتمر «عن دعم الحل السياسي وفقا لميثاق الأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن»، وهو موقف لم يكن كافيا لتوضيح رؤية الحزب من النزاع الذي ظل متأثرا بمفهوم كلاسيكي متجاوز حول «تقرير المصير»، لذلك فمضامين الرسالة الأخيرة لملك المغرب ستكون لها انعكاسات تنظيمية، أيديولوجية داخلية كبيرة على الأدبيات الفكرية لهذا الحزب خاصة وأن بيدرو سانشيز كان يصنف ضمن تيار «الشباب» القريب من التوجه الأكثر يسارية داخل الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني، وكان يضع نفسه في مقابل الخط العقلاني، الذي ظل يمثله فيليبي غونزاليس وبعده ثاباتيرو، قبل أن يصل لرئاسة الحزب في المؤتمر الأخير ومنه لرئاسة الحكومة بتوافق بين مختلف قياداته التاريخية والشابة.
عليه فالقرار الإسباني الجديد يجب قراءته من مختلف زواياه خاصة وأنه لن يكون فقط قراراً سياسيا يتعلق بالسياسة الخارجية لإسبانيا بل قراراً سيحدث ثورة أيديولوجية داخل الحزب لأنه مس واحدة من الثوابت التي ظلت جامدة في الوثائق الرسمية لليسار الإسباني، ولم يتم تجاوز الموقف التقليدي من النزاع إلا بفضل هذه الخطوة الشجاعة، التي أقدمت عليها إسبانيا التي انتصرت فيها للمستقبل المشترك ولخيار بناء الثقة مع المغرب، وأكيد أن هذا الموقف سيرخي بظلاله على باقي الأحزاب اليسارية الإسبانية بما فيها «بوديموس»، الحزب المنافق ايديولوجيا الذي يدعم استفتاء تقرير المصير في الصحراء ويرفضها في كتالونيا!! وكذا على الحزب الشيوعي الإسباني رغم ضعف تأثيره في الحقل الحزبي.
2 – العوامل المساعدة: لابد وأن المتابع للعلاقة المغربية-الإسبانية سيلاحظ حالة التوتر، التي شهدتها العلاقة بين البلدين، وهو توتر ساهمت فيه عدة عوامل كان أولها عامل عدم وضوح الموقف الإسباني تجاه القضايا الحيوية للمغرب لحد الوصول للقطيعة بين البلدين دبلوماسيا، اقتصاديا وسياسيا، ازداد حجم التوتر بعد استقبال إسبانيا لابراهيم غالي للعلاج بهوية مزورة لنصل معها لنقطة بدت أنها نقطة اللاعودة نظرا لشعور المغرب بأنه طعن من الخلف من طرف دولة يُفترض أنها حليفة وصديقة له، فمارس المغرب حقه في الاحتجاج الدبلوماسي بالشكل الذي رآه مناسباً والذي حافظ من خلاله على مصالحه الحيوية ودافع فيه عن قضاياه الأساسية خاصة عندما تعلق الأمر بقضيته الحيوية الأولى، قضية الصحراء.
تغير الموقف الإسباني ناتج عن عدة عوامل أساسية، مرتبطة بالداخل الإسباني نفسه، لكن أهم عامل ساهم في تغير نظرة إسبانيا للنزاع هو العامل المرتبط بالاختيارات الدبلوماسية المغربية، هنا لابد من القول إن العلاقة المغربية-الإسبانية مرت بواحدة من أعقد أزماتها الدبلوماسية إذ امتدت لأشهر وشهدت قطيعة حقيقية أثرت ليس فقط على البلدين بل على المنطقة ككل، خاصة وأن المغرب يعتبر البلد الوحيد الموثوق فيه أوربيا وغربيا ليكون المعبر الآمن نحو إفريقيا وغربها، هذه الأزمة تسببت فيها ضبابية المواقف الإسبانية من التقدم الدبلوماسي الذي أحرزه المغرب على مستوى نزاع الصحراء خاصة عندما أعلنت الأمم المتحدة بصريح العبارة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المبادرة الوحيدة القابلة للتطبيق، وانخراط الولايات المتحدة الأمريكية بوضوح في دعم المبادرة المغربية خاصة مع اعترافها بمغربية الصحراء، هذا الاعتراف الذي قابلته إسبانيا آنذاك بالكثير من الانزعاج فباتت تناوش المغرب من منطلق خلفيات تاريخية تجاوزها المغرب، خاصة وأن هذا الأخير لم يعد ذاك البلد الضعيف المجزأ بين القوى الاستعمارية، بل تحول لقوة إقليمية حقيقية له مكانته، حضوره وتأثيره في المنطقة، هذا الوضع يبدو أنه تسبب في انزعاج بعض الأوساط داخل إسبانيا فأدى بها إلى مناوشة المغرب مما خلف قطيعة دبلوماسية بينها وبينه وسوء فهم كبير تسببت فيه المواقف الإسبانية من المغرب ومن نزاع الصحراء، قابلها المغرب بثبات دبلوماسي كبير عبر عنه ملك المغرب في خطبه التي أكد فيها ألا شراكة مع المغرب بدون احترام وحدته الترابية وقضاياه الحيوية وتوضيح المواقف منها، وهو ما استجابت له إسبانيا أخيرا وقبلها ألمانيا، وقد كان عامل صمود الدبلوماسية المغربية بفضل الرؤية الملكية في تدبير وتحديد الخطوط الاستراتيجية لتدبير العلاقة الخارجية للمغرب الفضل الكبير في هذه التحولات التي نعيشها، وهي استراتيجية بنت نفسها على تنويع الشراكات والوضوح في المواقف والحزم مع الخصوم ومع من يتذبذب في التعاطي مع المغرب، في ظل استراتيجية دبلوماسية مغربية انطلقت منذ خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2015، خطاب ملك المغرب في القمة الخليجية-المغربية وغيرها من المواقف الواضحة التي أعلن عنها الملك محمد السادس التي عكست ميلاد مغرب جديد باختيارات دبلوماسية قوية، وصولا للخطاب الأخير الذي أجاب بوضوح عن مواقف الدبلوماسية المغربية، لا شراكة في ظل مواقف متقلبة من المغرب ومن وحدته الترابية، وعلق فيه بشكل علني على الأزمة التي جمعت المغرب بإسبانيا مؤكدا أن الملف يحظى برعايته الخاصة وبقيادته نحو الحوار للتوصل لحل يرضي البلدين ويحافظ على مصالحهما بمنطق رابح-رابح، وهي استراتيجية دبلوماسية وصلت للإعلان عن الموقف الإسباني الأخير، وهو ما يؤهل المغرب مستقبلاً لحصد مواقف مستقبلية متتالية دوليا داعمة للحكم الذاتي، هذا التغير في الموقف الإسباني هو ما عبرت عنه رسالة رئيس الحكومة الإسبانية للملك الذي أكد فيها على «احترام وحدة البلدين الترابية»، وقبله ألمانيا التي أعادت التذكير بمواقفها الداعمة للوحدة الترابية للمغرب، وقبلهما جميعا القرار الرئاسي الذي وقعه ترامب، والذي رسَّمه بايدن الذي اعترف بموجبه بمغربية الصحراء وبمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد لطي الملف.
3 – أثر الأزمة الروسية – الغربية: وإذا كان للعامل الداخلي المتمثل في وضوح الدبلوماسية المغربية وقوتها، صرامته تجاه المواقف المتذبذة غير الواضحة التي كانت تعلن عنها إسبانيا، فإن للعوامل الخارجية خاصة المستجدات الأخيرة التي بات العالم يشهدها بفعل الأزمة الروسية-الأوكرانية الأخيرة التي اتخذت طابع الأزمة الروسية مع الغرب وليس مع أوكرانيا فقط، الأثر الكبير في إحداث المتغيرات العميقة التي تشهدها العلاقات الدولية، خاصة مع انعكاساتها الجيواستراتيجية على المنطقة المتوسطية، هذا المعطى المستجد دوليا حاول النظام الجزائري استغلاله في محاولة منه لممارسة الضغط على إسبانيا خاصة بعد شيوع خبر استغلال أنبوب الغاز الذي يربط المغرب بإسبانيا، الذي بات في ملك المغرب بعد قرار النظام الجزائري إيقاف تصدير الغاز من خلاله نحو أوروبا في قرار غير مفهوم ولا مبرر، وما محاولة النظام الجزائري الضغط على إسبانيا بورقة الغاز سوى مؤشر خطيرعلى كون النظام الجزائري أراد استغلال الأزمة العالمية الحالية للضغط على أوروبا عموما ولابتزاز إسبانيا بشكل خاص، فكانت النتيجة أن إسبانيا اختارت العودة لحليفها الطبيعي ألا وهو المغرب، والتحرر من ضغط وابتزاز النظام الجزائري الذي كان قد ورط الدولة الإسبانية سابقا في الأزمة مع المغرب عند استقبال إبراهيم غالي بهوية وجواز سفر مزورين، وأراد حاليا استغلال الحصار الاقتصادي على روسيا من أجل إخضاع إسبانيا «لنزوات» النظام الجزائري.
يمكن القول هنا إن الموقف الإسباني الحالي يعكس جزءاً كبيراً من التحول الجيواستراتيجي الذي شهدته ليس فقط إسبانيا، بل المنطقة المتوسطية ككل وهو تحول يشير إلى توجه عام نحو تشكل تكتل متوسطي اقتصادي، سياسي واستراتيجي يكون محوراه إسبانيا شمالا والمغرب جنوبا، لذلك فقراءة الموقف الإسباني يجب أن توضع كذلك في ظل هذا السياق الإقليمي وفي ظل التحولات التي يشهدها العالم، والتي كان لابد للمنطقة أن تتأثر بها، ويمكن التأكيد أن إسبانيا استبقت تأثير الأزمة الروسية-الغربية على شمال إفريقيا والمنطقة المتوسطية وقامت بهذه الخطوة لوضع الأسس نحو بناء شراكة إسبانية مغربية متقدمة، تعتمد على احترام سيادة ووحدة الدول، والخروج من عنق الزجاجة خاصة مع اقتناعها أن المغرب صارم في اختياراته الدبلوماسية وممتلكاً لاستقلاليته التي مكنته من اتخاذ موقف دبلوماسي غير مسبوق يقضي بعدم الحضور لجلسة مجلس الأمن الأخيرة التي صوتت على القرار الذي كان موضوعه روسيا، هذا الموقف المغربي أكد لإسبانيا ولبقية العالم أن المغرب كما هو وفي لشركائه فهو أيضا يملك قراره الدبلوماسي المستقل.
4 – التأثير على أوروبا: أهم تأثير لهذا القرار الإسباني الجديد سيكون داخل البرلمان الأوروبي إذ ستنضاف كتلة البرلمانيين المنتمين للحزب العمالي الاشتراكي الإسباني لباقي التكتلات البرلمانية الأوروبية بالبرلمان الأوروبي، التي تدعم وستدعم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي لطي النزاع، وتسعى لبناء شراكة أوروبية-مغربية قوية، وهو ما سينعكس إيجاباً على المواقف التي سيعلنها البرلمان الأوروبي مستقبلا من العلاقة الأوروبية المغربية خاصة وأن المغرب تجمعه علاقة شراكة كبيرة مع الاتحاد الأوروبي وبلدانه، وكان يتم استغلال الصوت الإسباني بشكل خاص نظرا لحساسيته لضرب المغرب من طرف اللوبي الداعم للبوليساريو، اليوم هذا اللوبي سيفقد صوتا قويا ومؤثرا وسيكون هناك إجماع من طرف أكبر القوى البرلمانية الإسبانية داخل البرلمان الأوروبي من طرف يمينه ممثلا في الحزب الشعبي ويسارييه من طرف الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني في دعم الشراكة مع المغرب، هذا الإجماع سيعزز من فرص اتخاذ مواقف أكثر وضوحا من طرف باقي أجهزة الاتحاد الأوروبي التي ستجد نفسها في موقف مريح بعد القرار الإسباني الجديد تجاه المغرب قبله موقف ألمانيا في اتجاه إعادة ترسيم علاقة أوروبية-مغربية قوية، واضحة بشراكة متعددة مُحترمة للوحدة الترابية للمغرب وللمصالح المغربية وكذا الأوروبية في المنطقة.
5 – خيار النظام الجزائري: إن التحولات العالمية التي يشهدها العالم باتت تُسائل النظام الجزائري، بين أن يختار الاستمرار في نهج دبلوماسي باختيارات بائدة، متجاوزة خاصة وأن التحولات الأخيرة ستحاصر الجزائر في المنطقة وستجعل من أي تحرك عدائي لها ضد المغرب بمثابة تهديد للغرب نفسه خاصة لأروبا التي لن تتسامح معه، وبين أن تختار من جهة أخرى طريق العقلانية كما فعلت عدة دول خاصة ما شهدته الإمارات أخيرا على سبيل المثال من استقبال حافل لبشار الأسد بعد قطيعة دامت لعقد من الزمن، وقبلها المصالحة الخليجية-الخليجية؟!
لقد سبق أن طرحتُ شخصيا هذا السؤال في مقال سابق، وأعيد طرحه الآن، ما الخيار الذي ستتجه الجزائر نحو تبنيه؟
الجواب عن هذا السؤال أتت بعض ملامحه سريعاً من طرف النظام الجزائري، إذ أصدر بيانا يستغرب ويندد فيه باتخاذ إسبانيا لهذا الموقف، مقرراً استدعاء سفيره من مدريد للتشاور، وهو موقف يؤكد أن النظام الجزائري هو المعني الأول بالنزاع، وله مصالح حيوية في عدم التوصل لطيه، كما أنه هو المسؤول عن عدم التوصل لحل سياسي نهائي، وينضاف هذا الموقف لسلسلة المواقف العدائية التي سبق أن اتخذها النظام الجزائري تجاه المغرب.
هي وقائع تؤكد أن النظام الجزائري اختار التوجه للوراء وعزل نفسه إقليمياً، خاصة وأن أي تحرك في ظل الظرفية العالمية المعقدة الحالية، هو تأكيد على كونه اختار التموقع ضمن المحور المعادي للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، هذا التموقع إلى جانب أسباب موضوعية أخرى أهمها أن المغرب بلد موثوق فيه تقوده ملكية واضحة في اختياراتها الاستراتيجية، هو ما سيدفع عدة دول أوروبية أخرى إلى اتخاذ قرار الاعتراف بجدية مبادرة الحكم الذاتي، والتأكيد على أن المغرب حليف موثوق به في المنطقة.
في انتظار تطور الموقف: إن المنتصر في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها العلاقة بين البلدين، ليس المغرب فقط الذي انتزع اعترافاً صريحا بأهمية مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء من إسبانيا، بل هذه الأخيرة نفسها قد انتصرت بتحررها من الماضي ومن عقده التاريخية، وتحررت من الابتزاز الجزائري الذي حدث مؤخرا لتخطو خطوة كبيرة نحو إعادة بناء علاقة دبلوماسية مع المغرب قوامها الثقة، واحترام الوحدة الترابية لكل بلد،
كما تحررت من الإحراج «الأخلاقي» الزائف الذي كانت تشعر به بعض الطبقة السياسية الإسبانية تجاه مخيمات تندوف وساكنتها التي ساهمت إسبانيا في مرحلة ما في صنعها.
موقفها الأخير هذا سيحرر إسبانيا وسيفتح الباب أمام إعادة رسم العلاقة المغربية-الإسبانية على أسس من الثقة المتينة لقيادة المنطقة المتوسطية معا نحو المستقبل.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 21/03/2022