بأصوات متعددة .. الكتابة أنت

حســن برما

 

أن تكتب وتحرضك نرجسيتك العنيدة على عرض ذلك على القراء يعني أنك تنطلق من موقف فني ورؤية جمالية تشفع لك بذلك ، أما أن يقودك الاعتباط المبني على دعائم واهية و تترك العنان لهلوساتك تخبط خبط عشواء وتعتبر ما كتبته ريادة تمنحك حق ادعاء موهبة مفتقدة فتلك سنطيحة ووقاحة تفرض على المتلقي السخرية من مزاعمك .. الكتابة الحقة هي التي تحترم ذكاء قارئها أولا وأخيرا حتى وأنت تشاغب شغبك المجنون وتعمل على خلخلة الكثير من القيم والمفاهيم المشتركة .
إذا ابتليت وأصابتك لوثة الكتابة ، احترس أن تأتي خدرها المحروس وأنت لا تملك غير موهبة بدائية ورغبة ساذجة، ستتركك تعيش وهمك وتكون الحصيلة رهينة أفقك الشخصي الضيق ، وقبل ذلك ، استحضر أسئلة الهوية الوفية لجنون الخلق وحتمية التجاوز : ماذا أكتب ؟ ولمن أكتب ؟ ولماذا أكتب ؟ وكيف أكتب ؟!!!
مبدئيا ، لك الحرية في أن تكتب ما تشاء كيفما تشاء ، أما إذا رغبت في أن تكون كاتبا ( ة ) له الحق في انتماء منتوجه للإبداع الأدبي ، وقبل أن تتوهم أنك « واعر « محور الكون ولا أحد من السلف والخلف قد أتى بما خطته يمناك من خواطر ووساوس واستيهامات ، فما عليك سوى أن تقرأ وتدرس ما تحقق في مجال الخلق الفني ، والواجب الأصح هو ان تعرف أهم محطات التاريخ الأدبي ومجموع الاتجاهات ، ولا بأس أن تهتم بما قدمته المدارس النقدية الفعالة ، حتى تتعرف على ما حققته الأقلام الرائدة من إبداعات خالدة ساهمت في تطوير الفكر الإنساني والشغب البناء .. بعدها يحق لك ان تدعي الثورة والتمرد والريادة وتجاوز ما تراكم من إسهامات لا حصر لها ولا عدد .
المتعارف عليه أن الإبداع لا يعني الأنا بالأساس ، بل هو يعني الـ « أنت « ، لكل كاتب قارئه المفترض ، بمزاج وثقافة ومواصفات وتصور خاص لما ينبغي أن تكون عليه عملية التلقي ، سواء صرَّح الكاتب أو لم يصرح بذلك ، يستحضره لحظة الكتابة ، يحاول أن يقود هذا الـ « أنت « إلى فهْمٍ محتمل يبقى مرتبطا برؤية مشتركة للعالم وتأويل ممكن يمنح المكتوب معنى وحياة .
وحين تقرأ لأسماء رائدة من مجايليك ، لا تحاكم إبداعهم اعتمادا على أحكام مسبقة وما تعرفه عن حياتهم الشخصية ، لا تخلط بين طبائعهم وأمزجتهم المتقلبة وبين منجزهم الأدبي ، كثيرون وكثيرات لا تحتمل معاشرتهم لدقائق معدودات نظرا لأفعال وسلوكات ومواقف لا تطاق ، شخصيا ، أعشق كتابات كتاب مغاربة متميزة وما زلت أقرأها بكل الحب والاعتراف بريادتها علما أنني لم أتحمل التعامل مع بعضها مباشرة ولم تتجاوز الجمل المتبادلة فيما بيننا سوى جملا قليلة في باب المجاملة ورفع العتب .
وفي إطار العلاقة الجدلية بين القارئ والمكتوب ، القراءة الواعية الفعالة هي ــ بشكل أو بآخر ــ تمرين مفيد لملكة الإبداع ، هي كتابة مشروعة للمقروء ومنحه تأويلا حرا يعيد تشكيله وفق مشيئة الذات القارئة .
تمثيلا لا حصرا ، اكتب قصة حب بين عاشقين وفيين ، وانتبه لتداعيات العطش المتوقع وفخ الاشتهاء القاتل ، إذ من غير المعقول أن تجعلهما يتحركان في فضاء وردي حالم ، وتبقى أسير تصور متجاوز يفترض أن الحب إكسير يمنح العالم هوية مثالية ، وعليه لا تنس تضمين قصتك ما يفضح أوغاد الطغيان الأعمى وما يدين حقاراتهم بتقنيات قصصية تحكمها قيم الحب والخير وفي ثناياها تتطرق لما يجعل الحياة كئيبة في عالم الغاب والشر !!!
مهما تعددت المواضيع والقضايا واختلفت تقنيات الأجناس الإبداعية وأساليبها التعبيرية والجمالية فأَنْ تقرأ لكاتب يعيش الحب الحقيقي ويلهمه لَأَكثر فائدة ومتعة من قراءة كاتب سمع عن الحب وتخيله .

 

الكاتب : حســن برما - بتاريخ : 27/03/2017