كلمة .. البرلمان ورقابةٌ الأسئلة الحارقة

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

في لحظة دقيقة من عمر الدولة، حيث تعلو نبرة الخطاب الرسمي الداعي إلى الإصلاح العميق لمؤسسات القطاع العام، تبرز أهمية الفعل الرقابي كآلية دستورية لا غنى عنها لإعادة توجيه البوصلة وتصحيح المسارات.
اليوم، تبادر المعارضة الاتحادية إلى فتح ورش رقابي واسع، تستحضر فيه جوهر دورها الدستوري كقوة مساءلة، لا لتسجيل المواقف أو المزايدة السياسية، بل لتقليب الأسئلة التي تؤرق الرأي العام وتخترق جدار الصمت الإداري الذي كثيراً ما يستقوي بالغموض أو بالتقارير الصماء.
ليست الرقابة البرلمانية رفاهية في نظام ديمقراطي، بل هي الضمانة الوحيدة ليظل التدبير العمومي تحت مجهر الشفافية والمحاسبة. وعندما تستدعي المعارضة الاتحادية مسؤولي الإدارة بحضور الوزراء المشرفين، فإنها بذلك تؤسس لثقافة سياسية قوامها ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومساءلة الأداء لا النوايا.
تتوجه الأسئلة نحو جدوى السياسات العمومية، نحو فعالية الاستراتيجيات التي تُصرف من أجلها الملايير، نحو آليات الحوكمة ومؤشرات النجاعة، نحو الاختلالات المتراكمة التي ما عادت تُخفيها تقارير التقييم. إنها أسئلة تمتح مشروعيتها من مآلات المشاريع المعطلة، ومن التفاوتات المجالية، ومن الإحساس المتزايد بانفصال القرار العمومي عن نبض الشارع.
ويأتي في صلب هذا التوجه، التواصل مع المواطنين كرقابة شعبية على الفاعل السياسي، خصوصاً الحكومي، وإتاحة الفرصة لهم لمراقبة وتتبع كل ما يقع في الفضاء العمومي. ذلك أن الديمقراطية لا تكتمل إلا بمواطن واعٍ، شريك في الرقابة، لا مجرد متلقٍ للقرارات، ومؤسسات لا تخشى الشفافية بل تعتبرها شرطاً أساسياً للثقة والمصداقية.
وتبقى الرقابة الشعبية جزءاً من الرقابة السياسية الواعية والمسؤولة، التي تعنى بتتبع وتقويم أداء الفاعل الرسمي، لا محاصرته أو التشهير به. والرقابة، في جوهرها، قرار سياسي مستقل، وليست مناورة ظرفية أو مزايدة سياسوية تُلقى في الخطب أو تُعرض فوق المنصات لتسويق بضاعة ربما لم يعد السوق السياسي في حاجة إليها.
في هذا السياق، لا يمكن فهم التحرك الاتحادي إلا كتعبير عن إرادة في إعادة الاعتبار للوظيفة الرقابية للبرلمان، وتجديد الثقة في أدوات العمل المؤسساتي، بعيداً عن منطق التواطؤ أو التغاضي أو الاستهلاك الإعلامي.
نعم، هناك حاجة إلى مساءلة الأداء، لا الأشخاص. هناك حاجة إلى وضوح الرؤية، لا إلى تبرير الفشل. وهناك قبل هذا وذاك، حاجة إلى شجاعة سياسية تملك الجرأة على طرح الأسئلة التي يجب أن تُطرح، في المكان الذي ينبغي أن تُطرح فيه.
وما تقوم به المعارضة الاتحادية اليوم، هو بالضبط هذا: تهيئة مناخ للمساءلة الحقيقية، وتوجيه الضوء إلى الزوايا المعتمة، في سبيل دولة أكثر كفاءة، ومؤسسات أقرب إلى المواطن.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 22/05/2025