كلمة ..  كأس العالم وجبر ضرر الجهات  

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

تنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة المغرب وإسبانيا والبرتغال هو حدث تاريخي بكل المقاييس، لكنه يطرح في الآن ذاته تساؤلات حقيقية حول العدالة المجالية داخل المغرب. فبينما تتجه الأنظار إلى المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش، تغيب جهات ومناطق أخرى عن خريطة النقاش والاستفادة، رغم ما تزخر به من مؤهلات بشرية وطبيعية.
من الطبيعي أن تُركز المباريات في مدن تتوفر على بنية لوجستيكية قوية، وتكون قريبة جغرافيًا لتيسير تنقل الفرق والجماهير، لكن ما لا يجب قبوله هو أن يتحول هذا الحدث العالمي إلى مناسبة لتعميق الفوارق المجالية، خصوصًا في ظل الجهود الاستثنائية التي تبذلها الدولة من أجل إنجاح هذا الموعد الكروي العالمي.
بل إن الفوارق تظهر أحيانًا داخل نفس الجهة، حيث تستفيد مراكز معينة وتُهمل مناطق أخرى تعاني من التهميش المزمن. هذا الواقع قد يولّد شعورًا بالإقصاء والتمييز، ما لم يُفتح نقاش عمومي حقيقي يُشرك المواطنين في الرؤية المستقبلية لهذا الحدث العالمي.
ومن المهم التأكيد أن المناطق التي لن تحتضن مباريات أو أنشطة رسمية لكأس العالم، تبقى معنية أيضًا بهذا الحدث، سواء من حيث الانخراط الوطني في إنجاح التنظيم، أو من حيث حقها في الاستفادة من دينامية المشاريع المرتبطة بهذه التظاهرة، كالبنية التحتية، والخدمات، والترويج السياحي، والفرص الاقتصادية والثقافية.
ولهذا فإن جبر الضرر المجالي يجب أن يبدأ من الآن، عبر مد جسور التنمية والمواصلات بين كل الربوع والمداشر. غير ذلك سيكون فرصة مهدورة لبناء مغرب متوازن، وسنكون أمام استمرار تكريس الفوارق. كما أن المطلوب اليوم هو أن يسير قطار التنمية بأقصى سرعته نحو مغرب العدالة المجالية، لا مغرب المركز والهامش.
إن كل ركن قصيّ في المغرب، وكل مواطن على امتداد الجغرافيا الوطنية، من حقه أن يحصل على نصيب من المجهود الوطني، كما هو مطالب بالمشاركة في الجهد الجماعي. لا أحد ولا جهة تحتكر الانتماء أو الأمان، فالوطن للجميع، والتوازن بين الحق والواجب هو أساس الوحدة والاستقرار.
ولابد هنا من الإشادة بالجهود التي بذلتها ولاية الرباط، والتي نظّمت قبل يومين واحدة من أنجح المناظرات حول الرياضة، سواء من حيث التنظيم أو الإعداد أو جودة المداخلات والتوصيات. وهذا ما يجعل من العاصمة ليست فقط مركزًا إداريًا، بل مركزًا وطنيًا لصوت الجهات كلها، بما في ذلك الجهات التي لن تستقبل مباريات كأس العالم بشكل مباشر، لأن الحدث في جوهره يخص المغرب بكل جهاته وأقاليمه، من أقصى الصحراء إلى أقصى الشمال، دون تمييز ولا عنصرية ولا غبن، بل بوطنية صادقة ووطن موحد.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 01/05/2025