مغرب ممتد يحكمه ملوك مؤرخون

مصطفى خولال

ما هو المغرب؟ طرح هذا السؤال، قبلنا، السوسيولوجي والأديب والمفكر المغربي الشهير، المرحوم عبد الكبير الخطيبي في محاضرة له ألقاها في الرباط نهاية السبعينيات من القرن الماضي. طرح السؤال وكان أول جواب قدمه هو : «المغرب وجود ميتافيزيقي». وخرجنا نحن طلبته في قسم الفلسفة من المحاضرة تخنق فهمنا حيرة مقلقة، ما الذي يقصده أستاذنا بهذا السؤال وبهذا الجواب. ومن حسن الحظ نشر الأستاذ إبراهيم بوعلو في مجلته ( أقلام ) نص المحاضرة، وكانت المجلة المغربية الوحيدة التي تنشر مواد ثقافية ومعرفية وعلمية ونقدية وفنية على مستوى جد رفيع. وقرأنا المحاضرة بتؤدة وتبصر واتسع النقاش حولها ليشمل قراء من كل التخصصات. في تلك الفترة الاستثنائية من تاريخ العالم لم تكن قاعات الدروس ومدرجات المحاضرات مصدرا للعلم، كانت حلقات النقاش التي كانت تنظمها منظمة الطلبة النقابية، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فضاءات خصبة للمعرفة والتكوين الثقافي والسياسي.
واليوم نعيد طرح السؤال في زمن مغاير وفي ظروف مختلفة كليا. لقد تغير المغرب كثيرا عما كان عليه نهاية سبعينيات القرن المذكور. نجح في التصالح مع ذاته وتجري به عملية إصلاح هي محط صراع بين القوى المعنية، ولا يمكن لنا إنكار ما تحقق دون أن ننسى بعض الانكسارات. ما زالت مظاهر للفساد شتى تنخر البلاد، وما زالت مظاهر الفقر مشكلة المشكلات، وما زالت حركات احتجاجية تقوم هنا وهناك ولا يمكن الزعم بأن الحلول التي قدمت لها هي محل رضا من قبل كل الأطراف. وفي محيط هذه الأمور يظل إفقار الطبقة الوسطى من قبل حكومتي الإسلاميين واحدة من بين عوامل إضعاف المجتمع المغربي التواق إلى أن يستحق، عن جدارة، موقعه الناشئ، موقع دولة إقليمية صاعدة وقوية تفرض نفسها على الجميع في استقلالية يستحقها المغرب كل الاستحقاق.
ومن حسن التدبير ورجحان الحكمة (نقصد بالحكمة المعنى الاستراتيجي وليس الفلسفي) أن عهد ما بعد الحسن الثاني بقيادة الملك محمد السادس يعي هذا البعد وعيا عميقا ويخط سياسته الملكية على ضوئه. وهو ما يفسر المواقف الثلاثة شديدة الحزم من المسلك الألماني غير المحسوب، والتصرف الجزائري منذ لحظة الكركرات مرورا بالتصريحات الصبيانية الأخيرة، والتي تترك المرء، ويا أسفاه، يستلقي على قفاه من الضحك، ورد الفعل الإسباني على الموقف الوجيه للدولة المغربية من مسلك يدعم ضمنيا وبطريقة متخفية وملتوية حركة انفصالية تحمي الجزائر قادتها كي يمارسوا الإرهاب مسلحة إياهم وممولة لهم.
وفي تصورنا، فإن بعض قادة هذه الدول لا يعون ما معنى المغرب.
وأكثر ما ينسونه هو بعده الميتافيزيقي بالفهم الخطيبي، الذي أشرنا إليه في بداية مقالنا هذا. فالمغرب ليس بلد عائلة ولا مدينة ولا عصبية قبلية ولا هو نتاج لحظة في الزمن محدودة، إنه الكيان النادر في العالم كله الذي بنى تاريخه على الشموخ، ليس بالقول، بل بالوجود الفعلي في التاريخ، وذلك بالامتداد في الزمن اللانهائي لأمازيغيته ولإفريقيته ولعروبته ولإسلامه ولأندلسيته. المغرب لوحده يقابل المشرق لكله.عرفه بحق الملك الراحل الحسن الثاني بأنه البلد الذي تسري عروقه في قارة بكاملها هي إفريقيا، ويشرئب برأسه إلى قارة بأكملها هي أوروبا. وعرفه الملك الحالي محمد السادس في خطاب له أمام قادة المجلس الخليجي ببلد الندية والاستقلال والمعاملة بالمثل القائمة على مبدأ الوجود الفاعل وليس الوجود المنفعل مهما كان جبروت القوى التي تمتلك كل أسباب القوة.
ونحن حين نراجع تاريخ المغرب نجدنا أمام وعي عميق بهذا الاستبطان للتاريخ من قبل كل ملوك المغرب أيا كانت ينابيع الحكم فيه. فلكأن من يحكم المغرب هم مؤرخون لا تنفلت من وعيهم لحظة من لحظات الوجود المغربي فيصدر القرار إذ يصدر من الراهن ومن ذاكرة التاريخ التي هي في وعي ملوكه ذاكرة لا تبلى…وهو ما لا يدركه مع الأسف جيران المغرب..إنهم بكل تأكيد يعرفون تاريخ المغرب، لكنهم لا يعون عمق وعي أهله بتاريخهم… وهي معضلة كبرى تجعلهم يخطئون في مواقفهم وفي أفعالهم وردود أفعالهم … (يتبع)

الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 22/06/2021