مغربية الصحراء: نحو إنتاج تقدم في الموقف الأمريكي
نوفل البعمري
يتم تناول تصريحات الخارجية منذ وصول الرئيس الأمريكي الجديد لرئاسة هذه الدولة بالكثير من الاحتفاء، وهو احتفاء كان منتظرا لأنه يتعلق بموقف أمريكي داعم لمغربية الصحراء وللحكم الذاتي، ولأنه صادر عن دولة لها تأثيرها السياسي الكبير في مختلف النزاعات ذات الطابع الإقليمي، منها النزاع المفتعل حول الصحراء، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القلم الذي يصيغ مسودة القرار الذي يُناقش ويصدر عن مجلس الأمن.
وقد كان طبيعيا أن تحظى تصريحات الخارجية الأمريكية المطمئنة للمغرب والداعمة للقرار الرئاسي الصادر عن الرئيس السابق ترامب في دجنبر 2020، الذي بموجبه اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، بهذا الاحتفاء والاهتمام، في سياق العملية الأمنية الكبيرة الناجحة التي قام بها الجيش المغربي في الكركرات، وفي سياق التهديدات الإرهابية للمنطقة التي تتغذى على مثل هذه النزاعات المفتعلة، كما أنه كان من الطبيعي أن تحظى تصريحات الخارجية الأمريكية حول ثبات الموقف الأمريكي من مغربية الصحراء بمتابعة واهتمام إعلاميين كبيرين، خاصة مع تزايد الفقاعات الإعلامية التي تصدر هنا وهناك من وسائل إعلامية معادية ومتحيزة، لأنها تأتي ردا عليهم وردا على هذه الفقاعات التي تتحدث عن تغير في الموقف الأمريكي، بحيث تضطر الخارجية الأمريكية إلى إعادة التأكيد على ألا تغيير ولا تحديث في الموقف، وأنها تتبنى نفس الموقف المُعترف بمغربية الصحراء.
اليوم، علينا طرح السؤال: هل يجب أن تستمر الإدارة الأمريكية عند نقطة الاعتراف بمغربية الصحراء أم أنها يجب أن تتعدى الأمر لخطوات أكثر تجسيدا لهذا الموقف؟
بالعودة للإجراءات التي رافقت قيام ترامب بتوقيع الاعتراف الرئاسي، فقد كان لافتا قيامه بالموازاة مع ذاك بإبلاغ الأمم المتحدة والدول الأعضاء رسميا بموقف الولايات المتحدة الجديد من مغربية الصحراء وبدعمها للحكم الذاتي كحل سياسي للنزاع، لكننا اليوم، وبعد مضي ستة أشهر على الإعلان عن هذا الموقف وعن هذه الخطوة، يجب أن نتجاوز لحظة الاعتراف، وألا نظل واقفين عندها دون أي تقدم نحو إنتاج مواقف دبلوماسية داعمة لمغربية الصحراء، حان الوقت لأن «نطمع» في أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بخطوة أكبر من الاعتراف، إذ أن خصوم المغرب، وفي ظل الإشاعات التي يطلقونها، دفعوا البلدين، «المغرب والولايات المتحدة الأمريكية»، إلى البقاء في نفس النقطة، أي نقطة الاعتراف، وتم دفعنا جميعا، لا إلى التفكير في كيفية اتخاذ خطوات جديدة من طرف إدارة بايدن تجسيدا لهذا الموقف، بل التفكير فقط في الرد على الخصوم وفي جعل إعادة التذكير بالموقف الأمريكي من الصحراء وكأنه الانتصار السياسي الوحيد الذي استطاع المغرب انتزاعه من الإدارة الأمريكية وتحقيقه، إذ لابد من القول إن العلاقة بين البلدين، خاصة مع التصريحات المطمئنة الصادرة عن الخارجية الأمريكية، تجعل من المهم التفكير في دفع الإدارة الأمريكية إلى المضي قدما مع المغرب على مستوى التعبير أكثر بخطوات متنوعة ثقافيا واقتصاديا وخاصة سياسيا، علاقة بقضية الصحراء، تعبيرا عن هذا الموقف وتجسيدا للخروج من دائرة «تأكيد الخارجية الأمريكية لموقفها من مغربية الصحراء» والاتجاه نحو التعبير عن مواقف أخرى وخطوات ديبلوماسية جديدة تجاه المغرب وتجاه مغربية الصحراء والمنطقة الجنوبية ككل.
إدارة بايدن يبدو أنها قد طوت مسألة التذكير بموقفها من مغربية الصحراء، خاصة في تصريحها الأخير، لأنه موقف ثابت بالنسبة إليها ولن يتأثر بأي متغيرات داخلية أمريكية اعتبارا لكونه موقفا استراتيجيا بالنسبة لها، لذلك فدَفع العلاقة بين البلدين على هذا المستوى لتجاوز لحظة الاعتراف الأمريكي خطوة يجب القيام بها مغربيا تجاه إدارة بايدن حتى لا نظل حبيسي تقارير إعلامية مخدومة، وأسئلة صحفية ملغومة حول الموضوع، ونتجه نحو تجسيد للموقف بخطوات متنوعة ومتعددة تعزز من فرص ترجمته في المنطقة، من خلال تكثيف الحضور الديبلوماسي الأمريكي بقنصليتها في الداخلة، وأيضا من خلال دفع الإدارة الأمريكية إلى ترجمة موقفها أمميأ خاصة ونحن على بعد أشهر قليلة من إعادة طرح النقاش بمجلس الأمن لإعداد مسودة القرار والتصويت عليه.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 05/07/2021