من العاصمة .. الجريمة مسؤولية الجميع 

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

تشهد وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب، خلال الفترة الأخيرة، انتشارًا واسعًا لأخبار ووقائع مرتبطة بجرائم عنف أثارت الكثير من القلق في صفوف المواطنين، ومن بين هذه القضايا، برزت جريمة مروعة تمثلت في مقتل سيدة تعمل في قطاع التعليم على يد تلميذ يتابع دراسته في مركز للتكوين المهني، وهو الحادث الذي خلف صدمة كبيرة لدى الرأي العام. وبشكل عابر الآن، أطرح إشكالية تسقيف سن ولوج مهنة التعليم في30سنة ودون المرور من عتبات التكوين والتأطير السابقة لممارسة المهنة، وتقارب السن بين الأستاذ والأستاذة والتلاميذ خاصة بالثانوي، وهي إشارة فقط خارج الموضوع الآن ولنعد إلى حيث تتناقل المنصات حالات متكررة لعمليات سرقة تنفذها أجيال من الشباب تستعمل أسلحة بيضاء من الحجم الكبير (سيوف) ودراجات نارية، ما زاد من الشعور بانعدام الأمن في عدد من المدن والأحياء خاصة حيث الكثافة السكانية الكبيرة والبطالة.
غير أن المتتبع بدقة سيلاحظ أن أغلب هذه القضايا، إما سبق أن تمت معالجته من قبل السلطات المختصة من أمن ودرك وغيرهما من الأجهزة، أو أنها قيد المعالجة الفعلية. واللافت أن عدداً كبيراً من هذه الحالات يتم توثيقه إما بواسطة كاميرات مراقبة ثابتة، أو عبر مواطنين وهواة يتعقبون الجناة ويوثقون الأفعال الإجرامية، في سلوك يمكن قراءته كنوع من رد الفعل الشعبي ومساهمة مدنية في تعزيز الشعور العام بالأمن وتسهيل إيقاف المتهمين .
وفي تقديري، فإن النشر المكثف لهذه الحالات، مقروناً باستخدام عبارات ذات حمولة قوية – إن لم نقل مبالغاً فيها – مثل “الانفلات الأمني” أو “غياب الدولة”، يعكس حالة غير دقيقة قانونياً وواقعياً. فوجود بعض البؤر السوداء لا يرقى إلى مستوى “الانفلات”، وهو مصطلح يوحي بفقدان الدولة لسيطرتها الأمنية، وربما يستدعي، في مفهومه الحقيقي، تدخل قوات أكثر تسليحاً وتنظيماً مثل الجيش وفي حالات دول ضعيفة يتم طلب دعم خارجي وليست هي الوضعية ببلادنا بالبات والمطلق من خلال الأرقام والمعطيات، والحال أن الوضع في الغالب يتم احتواؤه سريعاً وتُغلَق الملفات بشكل قانوني وفعّال.
الأخطر من ذلك أن هذه الوقائع، حين تحاط بدعاية إعلامية كثيفة وتُقدَّم فيها الشخصيات الإجرامية في قالب البطولة، تتحول إلى مادة تجذب بعض الفئات الهشة، خاصة من الشباب، نحو عالم الجريمة. وهو عالم سفلي بلا مجد، داخل العار وخارج الشرف. والمشكلة لا يمكن حلها بالمقاربة الأمنية وحدها، لأن الأمن مسؤولية دولة وحكومة ومجتمع.
فالأسرة، من خلال التربية والتنشئة والمراقبة وحتى التبليغ عن الممارسات المنحرفة، تعتبر المدخل الأساسي. ثم تأتي المدرسة والجامعة، باعتبارهما فضاءين للتكوين والتأهيل والاندماج. يليهما التشغيل بكرامة، وتوفير أفق للأمل، مع تقوية المؤسسات التي تؤطر حياة الأفراد: السكن، الصحة، الثقافة، الرياضة… بدل ترك الفراغ ليُملأ بدعاية رخيصة، وإعلام مبتذل يروج لمظاهر الانحراف بعيداً عن قيم الحرية والمسؤولية.
ثم إن هذا التهويل، وإن كان يخدم – بوعي أو بغير وعي – فُرجة الإثارة المأجورة، فإنه في المقابل يتطلب معالجة قضائية حازمة، تنطلق من قانون المسطرة الجنائية، وتجعل من العقاب أداة إصلاح فعالة، لا مجرد وسيلة لسلب الحرية والاحتفاظ المؤقت بالمجرمين. لأن الواقع يُظهر أن كثيرًا من السجناء، بمجرد إطلاق سراحهم، يغادرون السجن محمّلين بتجارب ومهارات إجرامية إضافية، نتيجة احتكاكهم بسجناء آخرين، مما يحوّل المؤسسة العقابية إلى فضاء لإعادة إنتاج الجريمة بدل محاربتها.
ويزداد الأمر تعقيداً في ظل الأعداد المرتفعة للسجناء في المغرب مقارنة بعدد السكان، وهو ما يُسجَّل كأحد أعلى المعدلات عالمياً. هذا الواقع يجعل من إصلاح المؤسسات السجنية تحديًا حقيقيًا، خاصة في ظل محدودية الإمكانيات وضعف البرامج التأهيلية رغم كل الجهد . كما أن العقوبة السجنية، في بعض الحالات، تطال أشخاصاً لجرائم بسيطة أو مدنية، كعدم أداء النفقة، فتتحمل الدولة نفقات سجنهم، بل وتصرف عليهم أحياناً أكثر مما كانوا مطالبين به أصلاً، مما يُفرغ العقاب من هدفه التربوي والردعي ويزيد من عبء الدولة والمجتمع معاً.
ويبقى أن الجميع مسؤول عن إنتاج الجريمة أو الدفع نحوها، كما أن الجميع معنيٌّ بأن يكون شريكًا في محاربتها. وكل تغافل أو تهاون عن ذلك هو تقويض مباشر لقدرات المجتمع وطموحاته في بناء تنمية حقيقية، قائمة على الأمن والكرامة والعدالة.

 

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 26/04/2025