من العاصمة : المجتمع المدني ليس شركة مناولة

محمد الطالبي

 

واقع مر، ذلك الذي وقف عليه  اليوم الدراسي الذي نظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب. حيث إن نسبة التأطير الجمعوي ضعيفة، بينما ملايير الدعم تتطاير بمنطق ريعي وتحكمي، من طرف الحكومة، إذ تغيب الحكامة والشفافية. والأنكى هو  تحول المجتمع المدني إلى مؤسسة مناولة غير مستقلة تشتغل خارج الضوابط المعمول بها قانونا. كما أن الخوصصة التي طالت دور الشباب  والتعليم الأولي  وغيرها من المؤسسات العمومية وصلت إلى قطاعات استرتيجية، وكأننا أمام تفويت الخدمات حتى تتهرب الحكومة من تحمل مسؤولياته، مقابل خلق هشاشة في سوق الشغل واستغلال بؤس البطالة وانعدام  فرص شغل حقيقية، بل الاتجار في معاناة البسطاء، حتى لا أقول كلمة اخرى.
يمارس كل هذا رغم  المكانة المتميزة التي بوأها الدستور للحركة الجمعوية في بلادنا، إذ تصطدم هذه الحركة بالواقع المرير الذي تعيشه الجمعيات في ظل حكومة لا تحترم روح الدستور ولا أحكامه. فالنقاش الوطني حول المجتمع المدني من أجل  احترام التنوع والاختلاف أفضى إلى ممارسات حكومية تتسم أكثر بمحاولات التحكم وعدم احترام القانون المتعلق بالجمعيات، من خلال الرفض المتكرر لإصدار وصولات التأسيس أو التجديد، وتهميش جمعيات ساهمت لعقود من الزمن في الإصلاحات الهيكلية للبلاد، وهو ما يعيدنا إلى الوراء لسنوات، ويعيدنا إلى تضييق المجال العام، ومناخ الشك والتضارب في العلاقات في وقت تحتاج البلاد إلى كل قواها الدافعة لتعزيز البناء الديمقراطي، وهي السبيل الوحيد لتجنب النتائج المأساوية على الشباب مستقبل الوطن.
ولأن الطبيعة تخش الفراغ ولا تقبله، ومع تراجع دور الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أصبحت عدة مؤسسات وهيئات دولية تساعد المنظمات غير الحكومية لتقوم بأنشطة تكمل دور  الدولة، مما شجع على تزايد المبادرات الجماعية لتكوين تنظيمات وجمعيات ذات  أهداف متنوعة، ذلك أن  تقوية وتوسيع النسيج الجمعوي الذي يستقطب الأفراد للانخراط في أعمال وأنشطة  تقوم في الأساس على التطوع في  مجالات اقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية وبيئية ورياضية، تساعد على تحقيق أهداف  مجتمعية، وذلك باستقلال عن الدولة. وهنا مكمن آخر للخطر واستغلال ثغرات قانونية ربما قد تفضي بأشخاص، عن وعي أو غير وعي، إلى العمل ضد الوطن .
لذا المطلوب هو اعتبار المجتمع المدني خدمة عمومية وطنية ترعاها القوانين لضمان الاستقلالية في القرار، بما يضمن التدبير الحر وتشجيع قيم التطوع والإبداع  والتمويل الشفاف بقدر الحاجيات .

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 19/10/2024