من ثمار أفكار السي عبد الرحمان اليوسفي : الرجل الذي غادرنا بعد أن أنجز مهمته
عبد الكبير طبيح
بالنسبة لجيلي الذي هو الجيل الثالث في حزب الاتحاد، أي الجيل الذي التحق تنظيميا بالحزب في بداية السبعينات. سمعنا عن السي عبد الرحمان اليوسفي في أدبيات الحزب وأخباره، لكن لم نره ولم نعاشره في تلك الفترة.
سنسمع صوته في المؤتمر الاستثنائي في التسجيل الصوتي الذي أذيع على مسامع المؤتمرين والضيوف. وهي الكلمة التي وضعت حدا للخلاف حول الجهة المؤهلة لقيادة الحزب، والتي سيعرف فيما بعد أنها كانت تعبر على خلاصات جماعية لكل قادة الحزب خارج الوطن، بعد المجهود الكبير الذي قاده فقيد الاتحاد السي عبد الرحيم بوعبيد.
سننتظر جميعا رجوع السي عبد الرحمان إلى الوطن بدايةَ الثمانينيات، والذي سيلازم الفقيد السي عبد الرحيم بوعبيد مشاركا لامزاحما، ومساعدا لا منافسا.
بعد الانتخابات البرلمانية التي خاضها كل من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال معا فيما عرف بالمرشح المشترك سنة 1993 والتي نتج عنها تموقع الحزبين معا في المعارضة، قررا أن يستمرا في العمل المشترك في مجال الرقابة البرلمانية والعمل التشريعي.
في هذه الفترة، سنشتغل كأعضاء في الفريق البرلماني على مقربة من السي عبد الرحمان اليوسفي ككاتب أول للاتحاد الاشتراكي ومع الأخ فتح الله والعلو كرئيس للفريق البرلماني.
في أحد اجتماعات مكتب الفريق البرلماني، الذي كنت عضوا فيه مع إخوة آخرين، سيخبرنا الأخ فتح الله والعلو بأن السي عبد الرحمان طلب منا أن نشتغل على قضيتين حقوقيتين وسياسيتين في الوقت نفسه.
الأولى: تتعلق بتهييئ مقترح قانون يرمي إلى إلغاء ظهير 29/6/1935 أي الظهير المعروف ب:
ب « ظهير كل ما من شأنه» .
الثانية: تتعلق بمقترح قانون يتعلق بالعفو الشامل على كل المحكومين في فترة سنوات الجمر والرصاص.
وبخصوص المقترح الأول: اشتغلت لجينة كلفت بتهييء دراسة القوانين والحقوقية الضرورية لتأطير ذلك المقترح المتعلق بإلغاء ظهير 29/63/1935.
وبما أن كلا من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلا،ل أنجزا حدثا سياسيا تاريخيا بالمشاركة في انتخابات 1993 بمرشح مشترك ، فقد كان من الطبيعي سياسيا أن يقدم المشروع باسم الفريقين معا.
وبالفعل، تم وضع مقترح يرمي إلى إلغاء ظهير 29/6/1935وقعه عن الفريق الاشتراكي الأستاذ عبد القادر باينة والأستاذ مصطفى كنعان، ووقعه عن الفريق الاستقلالي الأستاذ عبد الكريم غلاب والأستاذ عبد الهادي القباب.
وللحقيقة، فإنه في ذلك الوقت، لم نكن على اقتناع بكون ذلك المقترح ستتم الموافقة عليه، نظرا لأن أكبر عدد النواب هم من الأغلبية التي تساند الحكومة، وبالتالي فمصير المقترح المقدم من المعارضة، حسابيا، هو الرفض.
وتم عرص ذلك المقترح في احدى جلسات لجنة العدل والتشريع، التي استمعت إلى المناقشة القانونية والحقوقية، التي قدمها أعضاء كل من الفريق الاشتراكي والفريق الاستقلالي دفاعا وتدعيما لضرورة إلغاء ذلك الظهير، كما استمعت اللجنة إلى رأي الفرق الأخرى المشكلة للأغلبية، والتي عارضت في مقترح القانون بذريعة أن من شأن إلغاء ظهير29/6/1935 أن يحدث فراغا تشريعيا في المغرب.
بعد ذلك، أعطى رئيس الجلسة الكلمة للحكومة ممثلة من طرف وزير العدل الأستاذ الجليل محمد مشيش العلمي، والذي فاجأ الجميع عندما أعلن باسم حكومة جلالة الملك أنه يوافق على مقترح القانون القاضي بإلغاء ظهير 29/6/1935».
فكانت بالفعل لحظة تاريخية وانتصارا قويا في مجال تطور الاعتراف بحقوق الإنسان، بالنسبة لكل المدافعات والمدافعين على حقوق الانسان الذين خبروا آثار ذلك الظهير في كل المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب سابقا.
وتحرك الزمن، وفي لقاء مع أستاذنا الجليل محمد مشيش العلمي طلبت منه أن يروي الظروف التي وافقت فيها الحكومة على ذلك إلغاء ذلك الظهير، فأخبرني بأنه عندما أحيل عليه المقترح كوزير للعدل اعتبر أن وقت إلغاء ذلك الظهير قد حان، غير أن بعض الوزراء الآخرين في الحكومة كان لهم رأي مخالف.
و أمام هذا الوضع، قام بعرض الأمر على جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، والذي استمع لوجه نظر الأستاذ المشيشي العلمي المؤيدة لإلغاء ذلك الظهير، كما استمع للرأي المخالف الذي يريد الإبقاء على ذلك الظهير.
وبعد ذلك أصدر جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله أمره بالموافقة على مقترح القانون القاضي بإلغاء ظهير 29/6/1935. وهو ما بلغه كوزير العدل لأعضاء لجنة العدل والتشريع.
وبعد ذلك صوتت لجنة العدل والتشريع على ذلك المقترح بالموافقة في 4/1/1994 وصوت عليه في الجلسة العامة في 5/7/1994.
وبخصوص المقترح الثانيالمتعلق بالعفو الشامل، وبعد إتمام الدراسة القانونية من طرف الفريق الاشتراكي،وهي الدراسة التي اعترضتها إشكالية دستورية تتمثل في كون دستور 1992 لم يكن يعطى للبرلمان الحق في اصدار العفو الشامل. كما أصبح عليه أمر في دستور 2011.
وأمام هذا الإشكال، تم تأطير مقترح القانون المتعلق بالعفو الشامل بناء على الفصل 4 من قانون المسطرة الجنائية، الذي ينص على أن الدعوى العمومية تسقط بالعفو الشامل.
وبعد إنهاء تلك الدارسة القانونية كون الفريق الاشتراكي لجنتين واحدة كلفت بالاتصال بالإخوة في اليسار لمعرفة لائحة كل الذين كانون ضحية الإجراءات التعسفية، التي مورست في فترة سنوات الجمر، ولجن ثانية قصد الحصول على لائحة بضحايا تلك الإجراءات التعسفية التي كان ضحيتها كل أعضاء الحركات الإسلامية. وهي المهمة التي كلفت بها.
وبالفعل اجتمعت، رفقة الأستاذ الجليل عبد اللطيف الحاتمي، بالمرحوم الشيخ عبد السلام ياسين حول الموضوع، والذي كلف المرحوم المتوكل بتهييئ تلك اللائحة، والتي توصلت بها فعلا وسلمتها للفريق آنذاك.
قبل إنهاء إجراءات تهييء مقترح القانون المتعلق بالعفو الشامل،أصدر جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قراره القاضي بالعفو الخاص الذي شمل عددكبير من المتضررين. وهو العفو الذي اتخذ مدى عفو شامل، لأنه تجاوز آثار ذلك العفو على العقوبات الحبسية إلى تسوية الوضعيات الإدارية والمالية للمعنين بذلك العفو.
الكاتب : عبد الكبير طبيح - بتاريخ : 01/06/2020