موعدنا بوجدة

بديعة الراضي

 

سنحط الرحال بوجدة مع نهاية هذا الأسبوع،كاتحاد اشتراكي للقوات الشعبية بقناعة رمزية المدينة وموقعها في الحدود بيننا وبين الشقيقة الجزائر. محطة كنا دائما حريصين فيها أن نؤكد أن إيماننا الاستراتيجي بالوحدة المغاربية، وقناعتنا بالتضامن والتآزر والتشارك ليست وليدة اللحظة بل هي امتداد في التاريخ الذي وشم في الذاكرة عبر أجيال، وهو التاريخ الذي نواصل جسره القوي من أجل نفض الغبار الذي تكدس حد إحداث ثقب في جسم تعرض للتمزق بالفعل والقوة.
وسنحط الرحال بوعي أن نفض الغبار الذي تراكم لسنوات ليست بالسهل على هذا الجسم المغاربي العليل، بشعار»المغرب والجزائر قاطرة مستقبل البناء المغاربي»، الذي نعي دلالته في هذه المسيرة المعقدة حد الاصطدام بالسور العالي جدا، المبني بالحديد والإسمنت الصلب والمؤثث بالرصاص الحي في وجه شعوب تواقة إلى التعاون في اتحاد إقليمي وجهوي، يرفع عنها القهر ويحقق حريتها وكرامتها وعدالتها الحقيقية النابعة من التربة المغاربية ، وليس شعارات آتية من الشمال المنتصب، الذي قلت عنه دائما أنه الشمال الجاثم على رؤوس الجنوب المهترئ، في استعمال فعلي لخيراتنا وثرواتنا ومواردنا البشرية، بنفس الاستعمار الذي استمر بطرق مختلفة، أهمها إبعاد عامل التشارك الفعلي بين الضفتين، نحو عوامل الاستعمال الفعلي لضفة الجنوب لبناء ضفة الشمال، الشيء الذي أحدث خللا كبيرا في الضفتين معا، وكأن الثقب الكبير الذي حفر في المتوسط لم يشكل فقط مقبرة لأبنائنا، بل أصبح عاملا قويا لهدم ما بناه الشمال، باستغلال فاضح لسواعد وخيرات الجنوب المهترئ، وتلك قضية أخرى في علاقة الضفتين وسبل تدبيرها، وعواملها التاريخية التي تلقي بالظلال على مسارها، كما هي حوار حضارات أو اصطدامها، باستبعاد عامل الند للند، الذي اغتيل في لحظات الانتشاء، بالتميز الكبير لإنسان ضد إنسان، وهي قضية نعيها جيدا، لكننا نعي بالمقابل أن إصلاح الضفتين ينبغي أن ينطلق من إصلاح ضفتنا في الجنوب، وفي مقدمتها الشريط المغاربي المطوق الفعلي للشمال الحالم بالتميز بدوننا، كما هو الشريط المطوق للعلاقات جنوب –جنوب الحالم باتحاد إفريقي قوي بتجمعاته الإقليمية والجهوية.
ودون معالجة واقع هذا الشريط المغاربي،سيظل الثقب متسعا وقابلا لانهيارات أكبر، كان بالإمكان ألا نصل إليها لو كنا جميعنا عملنا على لم الشمل بالمنطق العاقل الذي ينبغي أن يكون.
وهنا يحضرني ، ما التقطته مسامعي من العرض الذي قدمه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأخ ادريس لشكر، في لقاء مع المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية،بالمقر المركزي للحزب بالرباط، تعبئة للمهرجان الوطني الذي ينظمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بوجدة، والذي سجل فيه الكاتب الأول العوامل الفعلية التي أدت إلى بناء الاتحاد الأوربي ، متوقفا عند اللقاء الهام والاستراتيجي بين فرنسا وألمانيا والذي شكل رافعة هامة لبناء هذا الاتحاد الأوربي.

وهو الاستحضار الذي يعني، أن تقوية العلاقة بيننا وبين جيراننا وأشقائنا الجزائريين، هو المنفذ الفعلي والعملي لتقوية مغاربيتنا، نحو عواصم تبني تشاركها الاقتصادي بالجغرافية المفتوحة على كل الإقلاعات التنموية التي ضيعنا بوصلتها في زمن تراكمت خساراته حد تأسيس أزمنة القهر التي تئن تحتها شعوب المنطقة، التي لم يعد أمامها إلا انفجارات متتالية في وجوه الجميع ، بعدما استعصى على شموع الأمل إضاءة الأنفاق ورفع حواجز المرور، وذلك هو مربط الفرس.
لا يمكننا إخفاء الخلل الكبير الذي نعانيه في المغرب الكبير، في اقتصاديتنا وفي تباعدنا الذي تحكمه عوامل، كان من المفروض تجاوزها بتحكيم العقل، من أجل تقاربنا ومد جسر حواراتنا، الذي هدمناه لصالح ضفاف أخرى تعاملت معنا فرادى ، كذات طيعة نتسابق فيها للالتحام بذوات بعيدة، في الوقت الذي نبني فيه السور العالي بيننا، وكأننا نهيء أنفسنا كي نكون فريسة للغير، كامرأة تتزين للرحيل إلى ضفة بديلة لا يشبه نعلها الكعب العالي كأحدث ما أنزلته أسواق الجوار.
لقد حال هذا الخلل دون التعاون السليم بين دولنا المغاربية، والذي سعينا فيه جميعنا للحصول على مزيد من المساعدات الأجنبية، في الوقت الذي كان بإمكاننا أن نحرز ذلك بتعاون إقليمي وازن، كما سجلنا فيه، أن تبني اقتصاد السوق بدرجات متفاوتة لم يساهم في تحريك عملية الاندماج الإقليمي، وأن الحلول الترقيعية في علاقات مغاربية ثنائية وحتى ثلاثية، تظل حلولا مرحلية تجمد الوضع استعدادا للانهيار الكبير.
لهذا، فالقناعة التي نحط بها الرحال اليوم بوجدة، بقيادتنا الحزبية الوازنة، التي تربط الماضي بالحاضر، هي قناعات راسخة بإيماننا أن الوحدة المغاربية هي اختيار استراتيجي، تعبر عنه اليوم وبجرأة كبيرة أعلى سلطة في بلادنا، في الخطاب الملكي الأخير الذي عكس كافة الخطابات المعبرة عن هذا الخيار، والتي دعا فيها جلالته الشقيقة الجزائر إلى إعادة فتح الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب منذ عام 1994، مقترحا إنشاء «آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور» بين البلدين، والتي بإمكانها «أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، خاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية»، كما «ستسهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة»، مؤكدا أن «المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين»، وأن مصالح الشعبين الجزائري والمغربي «هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 03/12/2018