نبض المجتمع: «تراخيص اجتماعية».. وموضوعية المعايير !

حميد بنواحمان

من الأمور البديهية التي تؤكدها حقائق الواقع كل يوم ، سواء تعلق الأمر بالمجال الحضري أو القروي ، خلاصة تفيد بأن “التنمية المستدامة” لأية جماعة تبقى رهينة بتوفرها على أرصدة عقارية يتم استثمارها في مشاريع منتجة للقيمة المضافة، تنعكس، في الختام ، إيجابا على ميزانية الجماعة ، وفي الآن ذاته ، تيسر سبل الاستجابة لانتظارات السكان ، الحاملة منها لطابع الأولوية أو تلك المصنفة ضمن برامج ومخططات المديين المتوسط والبعيد. وهي أرصدة تشكل “أملاكا عامة” تملكها الجماعات الحضرية أو القروية “ملكية قانونية تامة” يتم تخصيصها “لاستعمال العموم أو لتسيير المرافق العمومية الجماعية، وبهذه الصفة لا يمكن أن تكون موضوع ملكية خاصة” . ومن ضمن هذه “الأملاك”، كما سبق أن عددها الظهير “المؤسس للملك العام البلدي” ل19 أكتوبر 1921 ، نجد “… الأزقة والطرق و الأرصفة والأجنة العمومية ، وكذلك ما يعتبر تابعا لما ذكر من الأزقة والطرق … “. وبخصوص هذه الأخيرة يطرح “استغلالها ” من قبل عدد من مدبري الشأن العام المحلي – على امتداد جغرافية البلاد – تحت يافطة ” الترخيص الاجتماعي “، استفهامات كبيرة ارتدت ، خلال السنوات الماضية، على صعيد الدارالبيضاء مثلا ، لبوس قضية أثير حولها “جدل” كبير ، وتبودلت بشأنها الاتهامات ، ودبجت بخصوصها عشرات بيانات “اللاحقيقة” المدعومة بالتصريحات النافية والواصفة لأي محاولة تسليط ضوء عليها بكونها ” لا تعدو أن تكون مجرد تصفية حسابات سياسوية لا أساس لها من الصحة”.
ومرد هذا “الجدل” ، حسب العديد من المتتبعين ، “الضباب” الكثيف الذي سيج – ومازال في بقع ترابية عدة – كيفية منح” التراخيص الاجتماعية” في سياق استغلال ” قطاع الوقوف العمومي “، بشتى تجلياته، تعلق الأمر بالمرابد والشوارع والأزقة و الفضاءات …، والتي سبق أن دخل على خط “تدبيرها” قضاة المجلس الأعلى للحسابات، الذين كشفت ملاحظاتهم عن شوائب عديدة لابد أن “تفرض” على المهتم بتدبير الشأن العام قراءة متمعنة لسطورها.
من بين “النقائص” التي رصدتها “عيون المجلس ” ، كما تضمنها تقرير 2014 : ” عدم حصر الجماعة لأماكن الوقوف المزمع تفويتها للاستغلال بواسطة تراخيص اجتماعية، وغياب مسطرة ثابتة لمنح الرخص الاجتماعية ، واستفادة أشخاص ليسوا في حالة اجتماعية هشة… “.
ملاحظات تؤكد حقيقة سبق أن شهدت حيطان مقرات جماعات ترابية عديدة ، على مدى استفحالها وسط “فئة” من المنتخبين، لدرجة أنها كانت مدعاة للتنديد خلال وقفات احتجاجية لعدد ممن تم الالتفاف على “أحقيتهم” في الاستفادة من “التراخيص الاجتماعية”، سواء من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأرامل وغيرهم ، من الذين أنهكتهم الهشاشة وجعلتهم عرضة لعسر المعيش يتجرعون قساوته مع مطلع فجر كل يوم جديد .
فهذه أم غادرها الزوج إلى دار البقاء ، وجدت نفسها بلا معيل، مسؤولة، دون سابق استعداد ، عن صبية لا حول لهم ولا قوة ، سجلت في عداد “الحالات الهشة” ، وفق شهادات الجيران ، وما أسفر عنه “بحث” مقدم الحي ، وانعدام أي وثيقة تثبت الاستفادة من أي دخل معين، انتظرت ، بفارغ الصبر، لحظة سماع الخبر “السعيد ” ، فاقترضت ثمن “الوزرة ” ، المميزة لحراس السيارات، وبحثت عن حذاء ” ذكوري ” يتحمل تبعات “العمل” في الشارع العام تحت وطأة التقلبات المناخية بحرارة شمسها وقساوة برودتها ، سرعان ما خاب أملها بعد أن عاينت “المكان” الموعود بالترخيص لها لاستغلاله في الحراسة ، قد “فوت” لآخرين ، وعندما استفسرت عن الأمر قيل لها بكل برودة : ” إن المنتخب الفلاني، المكلف بتدبير “الشأن الاجتماعي” بالجماعة ، هو الذي قرر ذلك “!
وهذا شاب، من ذوي الشهادات الجامعية ، بترت قدمه في حادثة سير، قام بمختلف الإجراءات اللازمة واجتهد في جمع الوثائق الضرورية التي طلب منه إحضارها ، في أفق أن تشمله الاستفادة من “الترخيص الاجتماعي ” على صعيد النفوذ الترابي الذي يتواجد فيه محل سكناه، بعد أن تلقى ما يفيد قبول طلبه من قبل “أصحاب الحل والعقد” داخل المجلس الجماعي، استفاق ، في أحد الأيام ، على وقع “خبر” أعاد عقارب ساعة أحلامه إلى درجة الصفر ، مفاده أن أحد الأشخاص “المحظوظين جدا”، قد نال “الترخيص ” الموعود، وأن حراسا من ذوي السوابق في “التشرميل ” قد باشروا مهامهم منذ مدة تحت إمرته” . وعلى ذكر هؤلاء، فبعضهم “يعيث بلطجية” في فضاءات قرب الشواطئ و القيساريات التجارية ذات الإقبال الكثيف، دون حسيب ولا رقيب ؟
قصص عديدة تنطق ألما وإحساسا بالإقصاء و بـ “الحكرة ” لا يحفل بها تدبير “قطاع الوقوف العمومي ” على مستوى خريطة الدارالبيضاء، وحدها ، ولكن مدنا أخرى ، صغيرة وكبيرة ، تتوحد معها في هذا النوع من “الانحرافات التدبيرية” ، كما يستشف من فحوى شكايات ترد على الجريدة ، من حين لآخر ، أو من بيانات فعاليات جمعوية ، تعري حقائق صادمة بشـأن مسلكيات تجعل “قطار” الرخصة الاجتماعية يزيغ ، أحيانا ، عن السكة الموصلة إلى محطات ” الهشاشة ” الفعلية لا المفتعلة .
مسلكيات تؤكد، بكل أسف ، أن إفراغ “المبادرات الاجتماعية ” من غاياتها النبيلة ، غالبا ما يتم من خلال سيناريوهات يرسمها “مؤتمنون” على حسن تدبير “الملك العام”. كما أنها تؤشر على مدى “تغول” أحد أصناف “التدبير الريعي” ، الذي بقدر ما يثري المنتفعين من إدامته ، بقدر ما يفتح الباب مشرعا أمام “جرافات” الفقر المدقع لكي تحصد في طريقها ، كل يوم ، عشرات الحالات ممن كان أصحابها يعقدون آمالا واسعة على “الترخيص الاجتماعي ” من أجل الانعتاق ، ولو جزئيا ، من وطأة العوز “غير الرحيمة.”

الكاتب : حميد بنواحمان - بتاريخ : 13/02/2018