نحو مغرب صاعد: قراءة في دلالات المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي

عبدالله مديد

ينعقد غداً المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في لحظة مفصلية من تاريخ المغرب، حيث تتقاطع التحولات الوطنية والإقليمية العميقة، وتتزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تستدعي مقاربة جديدة تجمع بين الجرأة في التشخيص والواقعية في الحلول.
الاتحاديات والاتحاديون، الحاضرون منهم والغائبون، يعتبرون هذا المؤتمر محطة سياسية وفكرية فارقة تتجاوز البعد التنظيمي إلى طرح سؤال المشروع الوطني المشترك في زمن التحولات الكبرى. فهو ليس حدثاً حزبياً عادياً، بل لحظة وعي جماعي بمسؤولية الاتحاد في صياغة الجواب الديمقراطي والاجتماعي لمغرب العقد القادم.
سياق استثنائي يستدعي مشروعاً استثنائياً
يأتي هذا المؤتمر في ظل أوضاع دقيقة تتجلى في تباطؤ النمو الاقتصادي (3%) وارتفاع معدلات البطالة، واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية، إلى جانب تراجع أدوار الوساطة الحزبية والنقابية، في وقت تعرف فيه المنطقة المغاربية والإفريقية تحولات جيوسياسية واقتصادية كبرى تفرض على المغرب تحيين نموذجه السياسي والتنموي.

“مغرب صاعد”: رؤية لعقد اجتماعي جديد
يطرح الاتحاد الاشتراكي من خلال هذا المؤتمر مشروع “مغرب صاعد” كإطار جامع لعقد اجتماعي جديد يقوم على ثلاث ركائز مترابطة:
️1 اقتصاد منتج وعادل يرتكز على التصنيع الوطني، العدالة الجبائية، والسيادة الاقتصادية.
2 مجتمع متضامن يكرّس المساواة الفعلية والحماية الاجتماعية للجميع.
️3 ديمقراطية فعالة تستند إلى مؤسسات قوية، وتوازن السلط، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

إنها محاولة لإعادة وصل ما انقطع بين الاقتصاد والسياسة، بين التنمية والكرامة، وبين المواطن والدولة.

من الشعارات إلى الحقوق: برنامج ملموس
تميزت الأوراق المعروضة على المؤتمر بوضوح في الأهداف وجرأة في المقترحات، من أبرزها:

في المجال الاجتماعي:
• رفع الحد الأدنى للأجور إلى 4000 درهم في أفق 2027؛
• توحيد أنظمة التقاعد والتغطية الصحية؛
• تخصيص 10% من الإنفاق العمومي للصحة والتعليم.

في المجال الاقتصادي:
• رفع معدل النمو إلى 5% بحلول 2030؛
• خلق 200 ألف وظيفة خضراء؛
• إنشاء صندوق وطني للتشغيل والإدماج الاجتماعي.
وفي المجال البيئي والمجالي:
• ترسيخ الثقافة البيئية في السلوك اليومي للمواطن والمؤسسة؛
• تعميم مشاريع تحلية المياه ودعم الاقتصاد الإيكولوجي المحلي

في المجال السياسي:
• مراجعة دستورية توافقية نحو ملكية برلمانية مغربية متطورة؛
• إحداث هيئة وطنية مستقلة للانتخابات؛
• تعزيز المناصفة الفعلية والشفافية في المؤسسات المنتخبة.

المؤتمر ثمرةُ النقاش الديمقراطي والعمل الجماعي
إن ما يميز هذا المؤتمر، في نظري، هو أنه نتاج عمل جماعي حقيقي شارك فيه الحاضرون والغائبون من الاتحاديات والاتحاديين في مختلف اللجان الموضوعاتية والتنظيمية. فجميع المشاريع المطروحة اليوم على أنظار المؤتمر — من الورقة السياسية إلى الاقتصادية والاجتماعية — هي ثمرة نقاش ديمقراطي موسّع داخل اللجنة التحضيرية، جسّد روح المشاركة والتفكير الجماعي التي طبعت مسار الاتحاد الاشتراكي منذ تأسيسه.
التجديد التنظيمي
• تفعيل الأجهزة القطاعية.
• عقد 74 مؤتمرًا إقليميًا وجهويًا.
• إدماج الكفاءات الشابة والنسائية.
• لقاءات جهوية مفتوحة للنقاش والتفكير الجماعي.

الرؤية المجتمعية: من الفكر إلى الممارسة
عكست الوثائق المعروضة على المؤتمر توجهًا واضحًا نحو إعادة الاعتبار للدولة الاجتماعية كمشروع وطني، عبر إصلاح القطاعات الحيوية:
• بناء عدالة صحية ومرفق عمومي منصف.
• إصلاح المدرسة العمومية باعتبارها أداة للترقي الاجتماعي.
• تعزيز استقلال القضاء وترسيخ سيادة القانون.
• ربط الابتكار الاقتصادي والطاقي بأهداف التنمية المستدامة.
• فتح حوار وطني مفتوح حول السياسات العمومية ومراقبة أثرها الاجتماعي.

التوجهات الكبرى للفترة 2026 – 2030

الوثائق المقترحة ترسم خمس توجهات استراتيجية للمغرب القادم:
1- اقتصاد العدالة بدل النيوليبرالية.
️2- دولة الرعاية الاجتماعية بدل الدولة التقنية.
3- ملكية برلمانية مغربية متطورة توازن بين السلط.
4- جهوية فاعلة قائمة على الشراكة الترابية.
5- تحول بيئي يجعل المغرب قوة إفريقية خضراء.

المؤتمر: محطة لبناء الأفق لا لتبادل الأدوار
في النهاية، المؤتمر ليس مجرد لحظة تنظيمية يتوقف فيها القطار لينزل ركاب ويصعد آخرون؛ بل هو محطة لتجديد الفكر الاتحادي، واستعادة المعنى الوطني للسياسة، عبر ربط المشروع الحزبي بالرهانات الوطنية الكبرى، من العدالة الاجتماعية إلى الديمقراطية الفعلية.
إن المؤتمر، بهذا المعنى، ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لبناء أفق جديد للمغرب والمغاربة، يقوم على الشجاعة في الإصلاح والجرأة في التغيير.
المشروع المستقبلي
• إطلاق ورش الإصلاح السياسي والمؤسساتي.
• الاستعداد المبكر لاستحقاقات 2026–2027.
• الانتقال من التنظيم الداخلي إلى المبادرة الوطنية.
• تجديد الثقة العامة في العمل الحزبي والمواطنة الفاعلة.

نداء للمستقبل
«ورقة الاقتراع ليست مجرد تصويت، إنها سلاح الشعب وعهد مع الوطن.»
أكيد سيستحضر المؤتمِرات والمؤتمِرون في هذا المنعطف الحاسم، وبخاصة جيل الشباب (GenZ212)، إشكالية الانخراط الواعي في العمل السياسي باعتباره رافعة للتغيير من داخل المؤسسات.
إن مستقبل الديمقراطية في المغرب لن يُبنى إلا بإرادة الناخب، وثقة المواطن، وإيمان الجيل الجديد بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الصندوق.

الكاتب : عبدالله مديد - بتاريخ : 16/10/2025