«نفرق بين المبدأ والأداة»

عبد السلام المساوي

1 – في التقرير السياسي أمام المجلس الوطني 19/12/2020، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر (…. الاتحاد الاشتراكي “لا يمكن أن يزايد عليه أحد في الدفاع عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس…”
… قرن الشهيد عمر بنجلون برؤية استشرافية بين توازي خط النضال الديمقراطي وطنيا، مع خط تحرير الأوطان والشعوب، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، وهذا هو جوهر مقولته الملهمة: القضية الفلسطينية قضية وطنية، بمعنى أن كل تقدم في إنجاز المهام الوطنية المتمثلة في استكمال الوحدة الترابية، ودمقرطة الدولة والمجتمع، والتصنيع والتنمية، يصب حتما في مجرى تحرير فلسطين، وبهذه الروح تحدث جلالة الملك حين خاطب رئيس السلطة الفلسطينية أن المغرب يضع قضاياه الوطنية في نفس مرتبة القضية الفلسطينية، وللذكرى فالاتحاد الاشتراكي باعتباره المساهم الأكبر في تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني إلى جانب القوى الوطنية التي كانت في زمن الجمر والرصاص، التعبير الوحيد الذي تصرف من خلاله الأحزاب والنقابات والجمعيات مواقفها وأشكالها النضالية دعما لكفاح الفلسطينيين، في وقت كان من يتزايدون علينا اليوم يرسلون الشباب للموت في أفغانستان بتنسيق مع المخابرات الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفياتي.
ولذلك حين نساند الخطوات التي اتخذها جلالة الملك، فانطلاقا من هذه الروح، في عالم تغيرت معطياته وفاعلوه وخرائطه، وبالتالي فنحن نفرق بين المبدأ والأداة، فالمبدأ ثابت وهو دعم الفلسطينيين دون انتقاص من حقهم في الدولة المستقلة، وحين نقول دون شروط،  فيعني أننا لن نلتفت لبعض الأصوات الفلسطينية القليلة التي أنتجت تصريحات مسيئة لبلدنا وقضية وحدتنا الترابية، فنحن لا نقايض دعمنا للقضية الفلسطينية العادلة بأي مقابل، هذه اختياراتنا التي لا نمن بها على أحد، وإذا كانت هذه الثوابت ستظل هادية لطريقنا حتى يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه العادلة والمشروعة، فإن الأداة تتغير بتغير الظروف…
…تقتضي المصلحة الاستراتيجية لبلدنا وللفلسطينيين أن يظل المغرب هو الوسيط الأول، لأنه الأكثر مصداقية، ويكفي إخواننا الفلسطينيين أن يقارنوا بين أدوار المغرب في الأزمة  الليبية وأدوار باقي الأطراف، لكي يستنتجوا مصلحة فلسطين في استئناف المغرب لأدواره في البحث عن حلول سلمية، تجنب الشعب الفلسطيني ويلات الحروب والحصار، وتيسر له سبل فرض الدولة الفلسطينية المستقلة.)
إن مناصرتنا للقضية الفلسطينية تقتضي البحث عن حل آني يتطور ويتقدم في الزمن ويراكم مكاسب شيئا فشيئا.
أما الاكتفاء بالعويل ورفع الشعارات والتحاف الكوفية، فهذا ما يندرج فعلا في إطار: الظاهرة الصوتية التي نحمل، بدون فخر، شهرتها.
قد نختلف حول تدبير القضية، لكن بما فيه الخير للوطن وللقضية الفلسطينية بدون مزايدة، لكن في النهاية فضح القرار المغربي أصحاب الأقنعة الذين لا يهمهم الوطن بل فقط الانتماء للجماعة!!
2 – على سبيل التذكير
الحرب والسلم هي أيام تتداول بين الناس والدول التي تعي مصلحتها جيدا هي التي تتعامل بمبدأ لكل مقام مقال.
للحرب ظروفها وللسلم شروط وبينهما تسيل الكثير من السياسة… والسياسة براغماتية بطبعها، وهي ليست متحجرة لأن غايتها تحقيق المصلحة. والمصلحة هي ما ينفع الأوطان بعيدا عن الشعارات الفارغة والتهييج الذي لا يستفيد منه إلا المؤلفة قلوبهم.
في 1948 استشهد 10 مغاربة دفاعا عن القضية الفلسطينية.
وفي حرب أكتوبر 1973، أرسل المغرب تجريدة عسكرية إلى الجولان مكونة من لواء المشاة ولواء المدرعات. وبعد ذلك انضم عديد من المغاربة إلى قوى الثورة الفلسطينية في لبنان واستشهد عدد منهم.
وعندما تطلب الأمر تغيير الوسيلة دعما للقضية الفلسطينية، فتح المغرب بابه لكل الأطراف بحثا عن حل لقضية عمرت طويلا دون أن تنصف أصحابها، وفي هذا الإطار زار شيمون بيريز المغرب سنة 1986.
الملك محمد السادس يترأس لجنة القدس التي تقوم بمجهودات كبيرة، باعتراف الفلسطينيين حفاظا على مكانة القدس.
وفي إسرائيل يعيش مليون يهودي من أصول مغربية، والدستور المغربي ينص على الرافد العبري كمكون من مكونات الثقافة المغربية.
في 1994 تم فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب، وهو جهاز أقل كثيرا من التمثيلية الدبلوماسية، ودوره يتجلى في تسيير سبل التعاون وتدبير العلاقات الثنائية.
خلال هذه الفترة تنامت المبادلات التجارية بين البلدين وارتفع عدد السياح الإسرائيليين، ومعظمهم من اليهود الذين يهيمون في بلدهم الأصلي الذي شب وشاب فيه أجدادهم وآباؤهم.
في أكتوبر 2000 أغلق المغرب مكتب الاتصال الإسرائيلي، احتجاجا على وقف إسرائيل عملية السلام، وأيضا استنكارا للتعامل الإسرائيلي العنيف مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
اليوم يؤكد الملك لترامب ولمحمود عباس أن الموقف من القضية الفلسطينية ثابت ومصلحتها الآن تقتضي الدفاع عن حل الدولتين لإنهاء الظلم اليومي الذي يعيش في كنفه الشعب الفلسطيني.
المغرب لن يؤسس علاقات جديدة مع إسرائيل، بل سيستأنفها وفق معطيات وشروط جديدة ووفق واقع جديد يخدم مصلحة الوطن أولا ثم مصلحة القضية الفلسطينية.
3 – سقوط الأقنعة
الموقف المغربي من قضية السلام في الشرق الأوسط أسقط الكثير من الأقنعة عن المؤلفة قلوبهم.
ففي الوقت الذي لقي فيه الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ترحيبا كبيرا في الداخل والخارج، وفي الوقت الذي تميز فيه الموقف المغربي، الذي طرحه جلالة الملك بخصوص السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والتقارب المغربي الإسرائيلي، عن باقي المواقف المطروحة على الساحة الدولية، خرجت أصوات المتأسلمين وتجار الدين لتصرخ ملء فيها دفاعا عن تجارتها التي أصابها البوار.
الموقف المغربي كان واضحا من البداية، بل أكثر من ذلك الملك محمد السادس أكد بصريح العبارة خلال مكالمته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المواقف الثابتة والمتوازنة للمملكة المغربية من القضية الفلسطينية، وأن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع. وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019.
وانطلاقا من دور جلالته بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، فقد شدد على على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث.
لكن الظواهر الصوتية التي تعتاش على القضية وتعتبرها أصلا تجاريا، عوض أن تناصر الموقف المغربي العقلاني الذي أكد عليه ملك البلاد، راحت تدغدغ المشاعر التي يكنها المغاربة للشعب الفلسطيني والذي ناصره جميع المغاربة على امتداد السنوات الماضية.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 22/12/2020