هل تخلت باريس عن سياسة «خاسر- خاسر» بالمنطقة المغاربية

باريس: يوسف لهلالي

يبدو أن قصر الإليزيه يتجه إلى التراجع عن سياسته المغاربية في السنوات الأخيرة، وهي سياسة يسميها الإعلام الفرنسي سياسة «خاسر -خاسر»، وهو ما يقصد به سياسة التقارب التي نهجها الرئيس الفرنسي في السنوات الأخيرة تجاه الجزائر، والتي استثمرت فيها فرنسا جهدا كبيرا من أجل بناء علاقة طبيعية مع قصر المرادية، ويمكن القول، إنه بعد سنوات من الاستثمار في هذه العلاقات، خرجت باريس منها خاوية الوفاض، لم تنجح في هذا المسعى وفقدت في نفس الوقت حليفها التاريخي والكلاسيكي بالمنطقة، وهو المغرب. اليوم تتراجع باريس عن سياسة الخسارة المزدوجة التي بذلت فيها جهدا كبيرا بدون أي نتائج تذكر.
حاليا تعود باريس إلى تحالفاتها الكلاسيكية بالمنطقة، وتزايد عدد الزيارات للمسؤولين بين الرباط وباريس يعكس هذا التحول الإيجابي، وتم تعيين سفيرة للمغرب مؤخرا كما تم استقبال شقيقات جلالة الملك محمد السادس بقصر الإليزيه، وهي كلها مؤشرات على عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين.
اليوم هناك إجماع حتى داخل الإعلام الفرنسي أن التوجه الفرنسي نحو المنطقة المغاربية يتجه بشكل أساسي نحو المغرب والى تحسين العلاقة معه أو بالأحرى عودتها،على الأقل، إلى المستوى الذي كانت عليه في السابق بعد سنتين من التدهور والبرود، أو ما سمته اليومية الفرنسية العودة إلى الوضع الكلاسيكي بالمنطقة بعد محاولة فاشلة للتقرب من الجزائر.
فرنسا كانت دائما تصبو، حسب مصادر الكيدورسي، إلى الحصول على علاقة متوازنة وإيجابية مع البلدين في نفس الوقت، لكنها لم تنجح قط في هذا المسعى، وسياسة العداء التي تنهجها قيادة الجزائر تجاه المغرب تجعل من هذه المقاربة مستحيلة. وخاصة في ظروف الاختيارات السياسية التي قام بها المغرب، الذي أصبح ينظر إلى علاقاته الدولية من خلال الموقف من أقاليمه الجنوبية، وأصبح لا يتهاون في الرد بالطرق الديبلوماسية على كل من يمس حقوقه ووحدته الترابية. الجزائر اختارت أن تجعل من المس بالوحدة الترابية للمغرب وبتشجيع سياسة الانفصال بالأقاليم الجنوبية صلب سياستها، وهي استراتيجية تصبو من خلالها إلى إبعاد المغرب عن مطالبه التاريخية والمشروعة، خاصة في الصحراء الشرقية التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي من الأراضي المغربية، وهي أراض فاتحت باريس الرباط حولها قبل منحها الاستقلال للجزائر، وفضل المغرب التداول في الأمر مع قيادة حرب التحرير آنذاك، وهو الأمر الذي تنكر له من استولوا على السلطة بالجزائر بعد استقلالها، وهو ما تسبب في أول حرب بين البلدين، حرب الرمال سنة 1963 .
اليوم، أدركت فرنسا وديبلوماسيتها أنه أصبح أمر معقدا الحصول على علاقات متوازنة تجمعها بين العاصمتين المغاربيتين في نفس الوقت، خاصة بعد قرار قصر المرادية في صيف 2021 قطع العلاقات الديبلوماسية من جانب واحد وإغلاق المجال الجوي بالإضافة إلى قطع إمدادات الغاز نحو إسبانيا، والتي كانت تمر عبر التراب المغربي، وكان المغرب يستفيد منها في نفس الوقت، وسياسة العداء هذه ليست جديدة بل بدأت منذ سنة 1975 بعد إعلان المغرب عن مسيرته الخضراء لتحرير الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني، وهو ما ردت عليه قيادة الجزائر بدعم وتمويل حركة انفصالية بالمنطقة وطرد عشرات الآلاف من الأسر المغربية التي كانت تستقر بالجزائر في نفس السنة.
اليوم تسعى فرنسا إلى تجاوز رهانها الذي كان خاطئا في التقرب من قيادة الجزائر، وقررت على لسان وزير خارجيتها ستيفان سيجورني أثناء لقائه بنظيره المغربي ناصر بوريطة كتابة « فصل جديد « في العلاقات الفرنسية المغربية. هذا الفصل الذي ينتظره المغرب في أفق زيارة رسمية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الرباط، وهي زيارة لم تتقرر بعد، لكن الجميع ينتظر اتفاق الطرفين على موعدها وما ستأتي به من جديد خاصة في موقف باريس من ملف الصحراء المغربية، والتساؤل الكبير هو هل ستنحو باريس منحى واشنطن، وهو ما يمكن أن يعطي للعلاقات بين البلدين زخما جديدا.
وفي انتظار لقاء القمة المرتقبة بين الطرفين، فإن الزيارات بين مسؤولي البلدين تتزايد لتجاوز البرود الذي عرفته العلاقات بينهما في السنتين الأخيرتين سواء حول موضوع التأشيرة للمغاربة الذين يزورون فرنسا أو حول الاتهامات بالتجسس التي وجهت للرباط، وكذلك مواقف فرنسا في البرلمان الأوربي، والتي دعم خلالها حزب الرئيس قرارين معاديين للمغرب.
اليوم الطرفان مقتنعان بضرورة بداية صفحة جديدة، وكتابة فصل جديد، كما قال وزير خارجية فرنسا، وتشجيع العمل المشترك، خاصة أن المغرب له علاقات متميزة وأخوية مع كل بلدان الساحل الإفريقي وله سياسة تعاون متنوعة مع هذه البلدان، في الوقت الذي تشهد الجزائر أزمة في علاقتها بمالي والنيجر، وهو الوضع الذي تراقبه باريس بدورها عن قرب، هي التي عانت في علاقاتها مع هذه البلدان واضطرت إلى سحب جيشها من المنطقة بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بمصالحها هناك.
من المؤكد أن فرنسا تريد الخروج من سياسة خاسر-خاسر بالمنطقة المغاربية، وتريد الحد من الخسائر التي تعرضت لها في منطقة الساحل الإفريقي، وتريد أيضا استفادة مقاولاتها من الاستثمارات الكبرى، التي تشهدها الصحراء المغربية. هذا ما يعني أن فرنسا تريد الخروج من سياستها الفاشلة بالمنطقة في السنوات الأخيرة إلى سياسة جديدة مع المغرب، شعارها سياسة رابح-رابح، وباريس تعرف أن مفاتيح هذه السياسة موجودة بالرباط، وتعرف أيضا المطلب الأساسي لشريكها الكلاسيكي لتحقيق ذلك، وهو ما ستجيب عنه القمة المقبلة بين البلدين.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 19/03/2024