هل تهدئ المساعدات الدولية الغضب الشعبي بلبنان؟
باريس يوسف لهلالي
نجح مؤتمر باريس للمانحين الدوليين في أهدافه، وتعهد بمساعدات دولية مستعجلة للشعب اللبناني عبر الأمم المتحدة بقيمة 300 مليون دولار، وهو رقم أكبر من الرقم الذي حددته الأمم المتحدة في حولي 85 مليون دولار ، قبل هذا اللقاء الذي تم عبر الفيديو، وذلك بعد خمسة أيام من الانفجار الضخم الذي هز العاصمة اللبنانية، وأكدت الأسرة الدولية الأحد عزمها على تقديم المساعدات إلى الشعب اللبناني «مباشرة» مع إجراء تحقيق «شفاف» لتحديد أسباب الكارثة، وذلك في ظل أجواء الريبة التي تتعامل بها معظم الدول الغربية مع حكومة حسان ذياب، والتي يتهمها معارضوها بأنها حكومة حزب الله الذي تصفه الولايات المتحدة الأمريكية بالمنظمة الإرهابية وتطالب بنزع سلاحه.
وتم هذا المؤتمر في أجواء من الغضب الشعبي بلبنان، وسجلت تظاهرات جديدة ومواجهات مع القوى الأمنية، اقتحم خلالها متظاهرون غاضبون وزارات ومبان عمومية، كما رشقوا قوات الأمن التي ردت بالغازات المسيلة للدموع.
في ظل هذه الأجواء يتم نقاش دولي حول الكيفية التي ستقدم بها المساعدة لإنقاذ لبنان من هذه الأزمة الخطيرة، وفي هذا الصدد أقام المغرب، بأمر ملكي، جسرا جويا من أجل مساعدة اللبنانيين وتقديم الحاجيات الأولية من أطعمة وأدوية وكمامات واقية لمواجهة وباء كورونا، ووصلت حتى الآن ،حسب مصادر مغربية، حوالي 15 طائرة محملة بالمساعدات، كما تمت إقامة مستشفى عسكري يشرف عليه 100 إطار طبي مغربي من مختلف التخصصات من أجل المساعدة على التخفيف من الأزمة الصحية التي خلفها الانفجار.
وأكد رؤساء الدول والحكومات والوزراء المشاركون في المؤتمر الذي نظم عبر الفيديو بدعوة من فرنسا والأمم المتحدة، «في هذه المرحلة المروعة، لبنان ليس وحيدا».
وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة «التحرك سريعا «، قبل أن يعطي الكلمة في هذا اللقاء الدولي عبر الفيديو لنظيره الأمريكي دونالد ترامب وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيسي وزراء إيطاليا واسبانيا ومسؤولي المنظمات الدولية، منها صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الدولية.
وجمع المؤتمر، بحسب بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، مبلغ حوالي 300 مليون دولار من المساعدات الفورية أو التي ستوفر في المدى القصير لإغاثة ضحايا الانفجار الذي أسفر عن مقتل 160 شخصا على الأقل وإصابة إكثر من ستة آلاف، فضلا عن 21 مفقودا، بحسب وزارة الصحة اللبنانية، وآلاف المشردين.
والتزم الاتحاد الأوروبي بتقديم أكثر من 60 مليون يورو بهدف تلبية «الاحتياجات الأكثر الحاحا «، وقدمت دول خليجية مساعدات على غرار قطر التي تعهدت بتقديم خمسين مليون دولار.
وسترسل فرنسا، التي تبلغ مساهمتها 30 مليون يورو، 18 طنا من المساعدات الطبية ونحو 700 طن من المساعدات الغذائية.
وقال بيان صدر في ختام المؤتمر إن «المشاركين توافقوا على وجوب أن تكون مساعدتهم (…) منسقة في شكل جيد برعاية الأمم المتحدة، على أن تقدم مباشرة إلى الشعب اللبناني مع أكبر قدر من الفاعلية والشفافية».
وأعربوا عن حذرهم من الطبقة السياسية التي يندد اللبنانيون بفسادها وبسوء إدارتها للبلاد في ظل أزمة اقتصادية حادة.
وبعد انفجار مرفأ بيروت قدم وزيران استقالتهما من الحكومة اللبنانية، هما وزيرة الإعلام منال عبد الصمد ووزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار بالإضافة الى 11 نائبا برلمانيا.
وكان الرئيس الفرنسي حذر في مستهل المؤتمر من «العنف والفوضى»، وحث السلطات اللبنانية على «التحرك لتجنيب البلاد الغرق وللاستجابة للتطلعات التي يعبر عنها الشعب اللبناني حاليا بشكل مشروع».
بدوره، دعا الرئيس الأمريكي إلى الهدوء في لبنان مع إقراره ب»مشروعية الدعوات إلى الشفافية، التي أطلقها المتظاهرون السلميون «.
وحذر الرئيس الفرنسي في كلمته من «قوى» لديها «مصلحة في الانقسام والفوضى»، وشدد على ضرورة أن يكون المجتمع الدولي «موحدا « رغم «الظروف الجيوسياسية» المحيطة بلبنان، وقال إنه ينتظر من تركيا، «التي لم تتمكن من الانضمام إلى هذا المؤتمر» وروسيا، أن تقدما دعمهما. وتتمحور المساعدات الدولية الطارئة حول أربع أولويات: الصحة، الغذاء الذي يمر بغالبيته عبر مرفأ بيروت، تأهيل المدارس المتضررة والمساكن، تأتي بعد ذلك مرحلة إعادة البناء المشروطة للبنى التحتية، كما الدعم الدولي المقدر ب11,6 مليار دولار الذي جرى التعهد به في 2018 شرط إجراء إصلاحات لا تزال حبرا على ورق رغم تكرار السلطات اللبنانية التزامها بها.
وعلى غرار نظرائه، حث الرئيس الأمريكي الحكومة اللبنانية على إجراء تحقيق «كامل وشفاف» في أسباب انفجار مرفأ بيروت.
ومن أجل ذلك، اقترحت الدول المشاركة «عرض مساعدة» بهدف إجراء «تحقيق نزيه وذي صدقية»، وفق البيان الختامي.
وحسب باريس، فإن نحو 50 شرطيا أرسلوا إلى المكان «وهم يتعاونون بشكل كامل مع الأجهزة اللبنانية المختصة».
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون استبعد الجمعة إجراء تحقيق دولي، معتبرا أن الانفجار قد يكون ناجما عن إهمال أو صاروخ، وسبق أن اعتبرت باريس أن «هناك ما يكفي من العناصر الموضوعية للتفكير بأنه انفجار عرضي».
هذه الأزمة الخطيرة تهدد استقرار هذا البلد المتوسطي الصغير المشكل من عدة أقليات، والذي يتمتع به زعماء الطوائف بقوة كبيرة، وهم اليوم متهمون بالفساد والارتشاء من طرف العديد من اللبنانيين، الذين يستمرون في التظاهر منذ التفجير الأخير، ويدينون كل القوى السياسية بما فيها المعارضة، لهذا أكد المانحون أن المساعدات ستصل مباشرة إلى المتضررين عبر الأمم المتحدة وليس الحكومة من أجل تهدئة الغضب الشعبي.
الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 11/08/2020