هل حسمت الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح المنتهية ولايته بفرنسا؟

باريس يوسف لهلالي

هل حسمت الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح المنتهية هل السباق نحو قصر الإليزيه مازال مفتوحا أم أنه قد حسم لصالح الرئيس المنتهية ولايته ايمانييل ماكرون والمرشح لعهدة ثانية؟ الجواب عن هذا السؤال أصبح ملحا مع توالي مختلف استطلاعات الرأي منذ شهر تقريبا، والتي تعطي الرئيس المنتهية ولايته نجاحا كيفما كان المنافس الذي سيتأهل إلى الدور الثاني، أم أن السباق في هذه الانتخابات مازال مفتوحا على كل الاحتمالات والسناريوهات رغم أن ماكرون يظهر في موقع المرشح المفضل حتى الآن أمام باقي المرشحين 12 في هذا السباق الرئاسي.
يبدو ، حسب هذه الدراسات، أن المنافسة سوف تقتصر على الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون الأوفر حظا للفوز أمام منافسيه الرئيسيين اللذين سيكونان مارين لوبين (اليمين المتطرف) وجان-لوك ميلانشون (اليسار الردايكالي)، في حين أن ممثلي الأحزاب الكلاسيكية من اليمين ومن اليسار، لن يتمكنا حتى من التأهل الى الدور الثاني من هذه الانتخابات، فمرشحة اليمين التقليدي الوزيرة السابقة في عهد نيكولا ساركوزي فاليري بيكريس، لم تتمكن من تحقيق نتائج جيدة في استطلاعات الرأي وتبلغ نسبة التأييد لها حاليا 12% فقط، وهو رقم لن يسمح لها بالتواجد في الدور الثاني من هذه الانتخابات.
أما ممثلة الحزب الاشتراكي الفرنسي ان هيدالغو، رئيسة بلدية باريس ، فقد تراجعت شعبيتها الى 2% من نوايا التصويت، مما شكل نكسة كبيرة للاشتراكيين الذين تمثلهم في هذا السباق، فحين كان فرنسوا هولاند المسؤول في هذا الحزب رئيسا للجمهورية قبل خمس سنوات، قبل انتخاب ماكرون، كان لهذا الحزب اليساري الاجتماعي حضور مهم في الساحة السياسية الفرنسية، وكان له حضور كبير في غرفتي البرلمان وأغلب المدن الفرنسية، لكنه اليوم تراجع بشكل كبير جدا.
رسالة آن هيدالغو مسموعة الى حد كبير في هذا الاستحقاق، تريد الاستجابة «للضرورات الاجتماعية والبيئية والديموقراطية» وتشدد في برنامجها على «القدرة الشرائية والعمل والرواتب» التي تريد زيادتها بدءا بالحد الأدنى للأجور، لكنها لم تتمكن، لحد الآن، من إقناع ناخبي اليسار بالاهتمام ببرنامجها الانتخابي.
ما يطرح مشكلا كبيرا في هذه الانتخابات التي تعتبر استثنائية في كل شيء، هو غياب الحملة بالمعنى الكلاسيكي في ظروف الحرب التي تشهدها اوروبا، والتي أصبحت الشغل الشاغل للرأي العام ومصدر قلق كبير وسط الفرنسيين.
رئيس الدولة الفرنسية منشغل بالحرب في أوكرانيا، وأعلن ترشحه لولاية ثانية في وقت متأخر، وهو شبه غائب عن الحملة الانتخابية، مقارنة مع انتخابات 2017 حين كان يحاول اجتذاب ناخبي اليمين واليسار، هو اليوم يعانق أفكارا أكثر ليبرالية ويمينية، ويرفض حتى الآن اية مواجهة مباشرة مع باقي المرشحين 12.
لكن هذا الوضع لم يمنعه من كشف ملامح برنامجه، يريد الرئيس المرشح الذي ترجحه كل استطلاعات الرأي منذ أشهر للفوز، الرفع من ساعات العمل ورفع الإنتاجية مع جعل سن التقاعد 65 عاما، لكنه يعد في المقابل بالقضاء على البطالة في خمس سنوات، وقد تمكن رغم ظروف الوباء والحرب من تحقيق أرقام مهمة وغير مسبوقة في مجال التوظيف.
تبقى مارين لوبين التي نافست ماكرون في الانتخابات الرئاسية الماضية، قبل أن يفوز عليها في الدورة الثانية في 2017، أبرز تهديد له وأكبر منافس، والتي تتقدم في الاستطلاعات الأخيرة، وتنال حوالي 20% من نوايا التصويت في الدورة الأولى.
وتردد زعيمة اليمين المتطرف، التي أصبح لها منافس أكثر راديكالية، المواضيع المعتادة (وقف الهجرة ومراقبة مشددة للحدود)، وتقود حملة وسط فرنسا العميقة، مع الكثير من التنقلات تتمحور على القدرة الشرائية التي تشغل الطبقات الشعبية. في ظل الارتفاع الكبير لأثمان الطاقة والمواد الغذائية بفعل الحرب.
بالنسبة لحركة «فرنسا الأبية» بزعامة جون لوك ميلانشون الذي حل رابعا عام 2017 بحصوله على 19,58% من الأصوات، فيرى مرشحها نفسه الرجل الثالث في الانتخابات، بفضل تقدم طفيف حققه في الآونة الأخيرة في استطلاعات الرأي التي تقدر نسبة التأييد له ما بين 12 و 15% من نوايا التصويت، بل إنه يكثف الآن من تحركه من أجل الحصول على المرتبة الثانية في الدور الأول وتمثيل اليسار في الدور الثاني من الانتخابات، لهذا يطالب باقي ناخبي اليسار بالتصويت عليه وتحقيق هذا الهدف لمنافسة الرئيس المنتهية ولايته.
يقترح زعيم اليسار الراديكالي برنامج «قطيعة» مع الليبرالية الاقتصادية يمر عبر صياغة دستور جديد وجمهورية سادسة تكون أكثر برلمانية وتشاركية، يريد أيضا التخطيط «للتشعب البيئي» وإصدار إجراءات «طوارئ اجتماعية» وتطوير الخدمات العامة وفرض ضرائب على الأغنى.
وحسب مختلف دراسات الرأي، فإن الرئيس المنتهية ولايته، هو صاحب الحظ الكبير في المرور إلى الدور الثاني والفوز أمام مارين لوبين ممثلة اليمين المتطرف أو الانتصار على ممثلي اليسار جون لوك ميلونشون في حالة مروره إلى الدور الثاني، وهو ما يجعل الانتخابات تقريبا محسومة لصالحه.
لكن الخطر الكبير الذي يهدد الرئيس الذي يطمح الى تجديد ولايته هو غياب الاهتمام بالحملة الانتخابية، وعدم حسم عدد كبير من الفرنسيين في اختيارهم، أو الاعتقاد بأن نتائج الانتخابات قد حسمت.
هو سيناريو معقد لا يمكن التكهن بنتائجه، ولصالح من سيكون هذا الوضع، أي ارتفاع نسبة العزوف في هذا الانتخابات، حيث يمكن أن يهدد المرشح صاحب الامتياز في هذا السباق. لهذا ، فإن مجموع المرشحين في هذه الانتخابات يسعون الى تحميس ناخبيهم وحثهم على المشاركة بالقول إن النتائج لم تحسم وأن الاستطلاعات لا تعكس الحقيقة.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 01/04/2022