هل نسيت الحكومة عرض مرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ على البرلمان

عبد الكبير طبيح

تتبع المغاربة بلاغ الحكومة بخصوص تمديد حالة الطوارئ الصحية التي انتهى أجلها المحدد بالمرسوم رقم 2.20.293 في 20/04/2020، وهو البلاغ الذي تلاه، مساء يوم 18/04/2020، الناطق الرسمي للحكومة، والذي أخبر الرأي العام المغربي بكون الحكومة أصدرت المرسوم رقم 2.20.330 الذي بمقتضاه تم تمديد حالة الطوارئ إلى 20/05/2020.
وهو المرسوم الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 19/04/2020 عدد 6874.
ومن المؤكد أن كل المغاربة سيتعاملون مع تمديد حالة الطوارئ بكل مسؤولية. لأن الكل يعلم أن السلاح القوي بل والوحيد والمتوفر اليوم لمقاومة انتشار وباء 19COVID، الذي قهر أكبر و أغنى دول العالم كأمريكا و فرنسا و إيطاليا وإسبانيا، هو حظر التجول وتحمل الابتعاد وعدم الاختلاط بجميع أشكاله.
مع أن هذا الأمر هو سهل في اللسان لكنه صعب في التطبيق. لما له من آثار على الجانب المعيشي لفئة كبيرة من المغاربة، ولما سيكون له من آثار على الحياة الاقتصادية وبالتتبع لذلك الحياة الاجتماعية للمغاربة. وهي الآثار التي يجب أن نستعد لها جميعا وأن نتسلح لها جميعا بالتضامن، وهو التضامن المطلوب اليوم ممن يملك أولا، ثم بالتضحية ثانيا وهي التضحية ممن لا يملك. كيف ما كان نوع ذلك التملك، مالا أو عملا أو سلطة أو حاجة.
وكما هو معلوم، فلقد صدر مرسوم رقم 2.20.330 القاضي بتمديد حالة الطوارئ بناء على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، كما ذكر في مقدمته، الذي تنص المادة الثانية منه وعلى الخصوص الفقرة الثانية منها على ما يلي:
«يعلن عن حالة الطوارئ الصحية عندما تقتضي الضرورة ذلك، طبقا لأحكام المادة الأولى أعلاه، «بموجب مرسوم، يتخذ باقتراح مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والصحة، يحدد «النطاق الترابي لتطبيقها، ومدة سريان مفعولها، والإجراءات الواجب اتخاذها
«ويمكن تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية وفق الكيفيات المنصوص عليها في «الفقرة الأولى أعلاه.
لكن مبرر هذا المقال هو أنه بعد إعلان الناطق الرسمي للحكومة على مرسوم التمديد المذكور، يلاحظ بالاطلاع على ما نشرته الجريدة الرسمية في العدد الصادر في 13/4/2020 والعدد الصادر في 16/4/2020 ، أي كل أعداد الجريدة الرسمية التي صدرت بعد فتح الدورة الربيعية للبرلمان المغربي، أن أيا منها لا يتضمن القانون المفروض صدوره عن البرلمان والذي يجب أن يكون قد صادق على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الذي ينظم حالة الطوارئ الصحية. كما يوجب ذلك الفصل 81 من الدستور.
وبعد البحث تبين أن عدم مناقشة أو إصدار البرلمان لأي قانون يكون قد صادق على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 ليس راجعا لتقاعس هذا الأخير، ولكن راجع لعدم عرضه عليه من قبل الحكومة، لكي يقوم بمهمته في المناقشة والمصادقة عليه داخل ستة أيام. كما ينص على ذلك الفصل 81 من الدستور المذكور.
فهل الحكومة احترمت الفصل 81 من الدستور وهي تصدر المرسوم رقم2.20.330 الذي مددت به حالة الطواري الى 20/5/ 2020 ؟
ليس الغرض من هذا المقال طرح سؤال الشرعية الدستورية للمرسوم رقم 2.20.330 الذي أعلن به على تمديد حالة الطوارئ الصحية، لأنه، وكما سبق لي في مقال آخر أن أشرت إليه يجب في حالات معينة أن نطلب من العقل القانوني، عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة أن يتوقف مؤقتا عن المطالبة بالتدقيق في كل شيء. لأن المصلحة العامة مقدمة على التدقيق في تطبيق القانون بتفاصيله أو تفسيره. ولأن القانون وضع لخدمة المصلحة العامة وليس العكس.
لذا قد يقتضي وضع أو زمن معين السكوت على بعض التدقيق في تطبيق المقتضيات القانونية. وتغليب الدفاع عن المصلحة العامة. لأن القانون هو من صنع البشر وبالتالي فهو غير كامل ولا مطلق ولا يمكن أن يكون دائما جوابا كاملا لكل حاجيات المجتمع ومصالحه. لهذا فهو موضوع تنقيح وتعديل ونسخ وإلغاء مستمر في المغرب وفي خارج المغرب.
لكن من المفيد التذكير بكون الحكومة تكون قد نسيت أن تعرض مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بالإعلان عن حالة الطوارئ المنشور في الجريدة الرسمية في 24/03/2020. على البرلمان بعدما افتتح دورته الربيعية. كما يوجب عليها ذلك الفصل 81 من الدستور الذي استندت إليه في إصدار المرسوم بقانون المذكور، كما هو واضح من مقدمة ذلك المرسوم بقانون. وهو الوجوب الواضح في الفقرة الأولى من ذلك الفصل الذي ينص على ما يلي:
يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية.
يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه. وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.
فالفصل 81 من الدستور، وكما يفسره فقهاء القانون الدستوري، هو تفويض بقوة الدستور للحكومة من أجل أن تمارس اختصاص البرلمان في التشريع وفي إصدار القوانين، باعتبارها حكومة أي سلطة تنفيذية. التي لا يدخل في اختصاصها دستوريا إصدار أي نص تشريعي أو قانوني.
غير أن الفصل 81 المذكور اشترط لكي تمارس الحكومة ذلك التفويض وتكون التدابير التي تتخذها مشروعة، شرط أول في الزمن وشرط ثان في الإجراءات. يجب على الحكومة أن تلتزم بهما لكي يحصن الدستور ما ستقوم به من تشريعات وإجراءات في إطار ذلك التفويض.
فشرط الزمن المنصوص عليه في الفصل 81 المذكور يتمثل في كون الحكومة لا تملك إصدار مرسوم بقانون إلا بين دورتي البرلمان، أي عندما لا تكون دورة البرلمان مفتوحة.
أما شرط الإجراءات فهو الواجب الواقع على الحكومة بضرورة عرض مرسوم بقانون الذي اتخذته ونشرته في الجريدة الرسمية بين الدورتين، على البرلمان بعد افتتاح الدورة الموالية. للمصادقة عليه.
وبالفعل فإنه يتبين من الفصل 81 من الدستور أنه أوجب على الحكومة أن تعرض أي مرسوم بقانون على البرلمان للمصادقة عليه. أي لإعطائه طابع المشروعية القانونية في إطار ممارسة سلطته الدستورية في التشريع.
بل إن الفصل المذكور حدد مسطرة حاصة تتمثل خصوصيتها في:
1-أنها سريعة لا تتجاوز ستة أيام للمصادقة على مرسوم القانون.
2-أنها استثنائية لأن الذي سيناقش مرسوم بقانون هي اللجنة المعنية في كل من مجلس النواب واللجنة المعنية في مجلس المستشارين وأن القرار يعود للجنة المعنية في مجلس النواب.
ولا تخضع تلك المسطرة لما هو الأمر عليه في مشاريع أو مقترحات القوانين. أي أن المناقشة تنتهي بمصداقة البرلمان على مرسوم بقانون، ليصبح قانونا مستجمعا لكل شروطه كقانون صادر عن السلطة التشريعية. وفقا لاختصاصاتها الموسعة والجديدة التي أسندها إليها الفصل 71 من الدستور.
وبهذه المصادقة يستجمع مرسوم بقانون سلطة الالزام وقوة الإجبارية على جميع المواطنين لينتقل من طبيعته الدستورية كمقتضي تنظيمي، إلى مقتضى تشريعي قانوني. علما أن الفرق كبير في الشق المتعلق بالتحصين من الطعن أمام القضاء الإداري، بين المقتضى التنظيمي والمقتضى التشريعي.
إذ كما هو معروف، فإن المقتضيات والإجراءات ذات الطابع التنظيمي هي خاضعة لمراقبة القضاء الإداري. بينما المقتضيات والإجراءات ذات الطابع التشريعي أي القانوني فهي غير قابلة ولا خاضعة للمراقبة القضائية. لأنها تستمد طابعها الإلزامي على الجميع بما فيه القضاء، من الفصل 6 من الدستور، الذي يلزم الجميع باحترام القانون بمن فيهم المؤسسات العمومية. وهو الفصل الذي لا يتكلم ولا يشمل المقتضيات والإجراءات التنظيمية.
وأن سبب ذلك هو بسيط لأن السلطة التنظيمية هي الآلية التي تشتغل بها الحكومة كسلطة تنفيذية، والتي تخضع في عملها المرتبط بالسياسات العمومية للمراقبة السياسية من طرف البرلمان، وتخضع في ما تتخذه من إجراءات لمراقبة القضاء الإداري.
وأن القضاء المغربي عاش هذه التجربة أخيرا، عندما طعن بعض المواطنين في إجراءات منعهم من الدخول أو الخروج من المغرب، في فترة حالة الطوارئ الصحية. فكان موقف القضاء واضحا في حقه، كقضاء إداري، أن يسمع ويقبل دعوى هؤلاء المواطنين. أي أعطى لنفسه الاختصاص في فحص صحة تلك الطلبات أي في مراقبتها. بغض النظر هل قبلها أو رفضها. لكن من حيث المبدأ وضع يده على مطلب فحص تلك التدابير. فالقضاء قال للحكومة أنا هنا لمراقبة وجود أو عدم وجود تجاوز في السلطة فيما تقومين به، وذلك وفقا للمادة 20 من قانون المحاكم الإدارية.
أي أن القضاء الإداري وضع يده من أجل فصح صحة أو عدم صحة التدابير المتخذة من قبل الحكومة بخصوص حالة الطوارئ الصحية. ولم يصرح بعدم اختصاصه نوعيا للبت في تلك الطعون، وذلك في تطبيق سليم واعتراف باختصاص القضاء الإداري في مراقبة أعمال الحكومة كسلطة تنفيذية وإدارية، ومن بين تلك الأعمال المراسيم التي تصدر عنها.
وأن عدم قيام الحكومة بعرض مرسوم بقانون وفقا للقاعدة الوجوبية التي ينص عليها الفصل 81 من الدستور، يؤدي إلى إثارة شرعية مرسوم رقم 2.20.330 الذي اتخذته في اجتماعها الأخير، حسب ما أعلن عنه الناطق الرسمي للحكومة، مساء يوم 18/04/2020.علما أن ذلك التمديد يؤدي إلى تمديد كل الإجراءات الملزمة الجارية لحد الساعة من حظر جوي ومنع من التنقل ومن إجبارية وضع الكمامات ومن منع فتح بعض المحلات ذات الطابع التجاري والخدماتي والعقوبات المترتبة عن مخالفة كل ذلك، ومن تعليق لجلسات المحاكم، ووقف الآجال التشريعية والتنظيمية التي نصت عليها المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292.
لهذا فإذا لم تعرض الحكومة المرسوم بقانون رقم 2.20.292 على البرلمان من أجل ممارسة اختصاصه وسلطته التي أسندها له الدستور في الفصل 81 منه ستكون الحكومة:
1-في وضع تخرق فيه الفصل 81 المذكور، أي تخرق الدستور. وهو سلوك لا نريد أن نشاهد الحكومة تقوم به. لأن الدستور هو حجة وجود أي حكومة. ولأن الدستور لا يخرق في الأنظمة الديموقراطية.
2-سترفع عن مرسوم 2.20.330 الذي مددت به حالة الطوارئ الصحية الحصانة من الطعن فيه أمام القضاء الإداري. لأن البرلمان لم يصادق على مرسوم بقانون رقم 2.20.292، أي أن مرسوم 2.20.33 احتفظ فقط بطابعه التنظيمي باعتباره صادرا عن السلطة التنفيذية ويبقى خاضعا لمراقبة القضاء الإداري بطبيعة الحال. خلافا للقانون المحصن من الطعن الإداري.
فهل نسيت الحكومة عرض مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المنظم لحالة الطوارئ الصحية على البرلمان كما يلزمها الدستور بذلك.
إذا كان الأمر كذلك فإنه لا يعاب أن تتدارك الحكومة الأمر، وأن تعرض المرسوم بقانون رقم 2.20.292 على البرلمان في أقرب يوم للمصادقة لينتقل من مرسوم بقانون ليصبح قانونا.
إذ أن مرسوم بقانون رقم 2.20.292 عندما يصادق عليه البرلمان سيستجمع شروط وشكليات النص القانوني وعلى رأسها أنه سيصبح صادرا عن السلطة التشريعية، أي البرلمان، وليس صادرا فقط عن السلطة التنفيذية، أي الحكومة.
وبذلك ستكون للحكومة كل الشرعية والمشروعية للاستناد عليه لإصدار أي مرسوم آخر كيف ما كان وفي أي وقت كان تعتبره ضروريا لتدبير حالة الطوارئ الصحية الحالية. ويبقى صالحا في المستقبل، لا قدر الله، لمواجهة أي حالة أخرى قد يكون فيها خطر على الصحة العمومية. لأنه سيصبح قانونا مكتمل الشروط والمكونات.
وأنه لا يرد على ما سبق بيانه بكون الفصل 81 يتكلم عن الدورة البرلمانية الموالية، وليس على اليوم الأول من الدورة الموالية. وهو ما قد يفسر بحق الحكومة في أن تعرض مرسوم القانون ذاك في أي يوم إلى آخر أيام الدورة الربيعية.
هذا الرد هو صحيح لكن قبل أن تمدد فترة حالة الطوارئ إلى 20/5/2020.
ذلك لأن الحكومة قبل 10/4/2020، أي قبل افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان، كان من حقها بل من واجبها الاستعجال في المبادرة لاتخاذ الإجراءات ذات الطبيعة التشريعية من أجل أن تحمي الصحة العمومية ولو كانت تلك الإجراءات هي من اختصاص البرلمان، لأن هذا الأخير كان متوقفا، أي بين الدورات. وهو الواجب الذي ينص عليه الفصل 81 من الدستور.
لكن اليوم فإن الدورة البرلمانية مفتوحة والبرلمان يشتغل والبرلمان وحده المختص في إصدار الإجراءات ذات الطبيعة التشريعية، أي القانون الذي يحدد القواعد والإجراءات التي تلزم المواطن باحترامها, ولا يحق له الامتناع عن تنفيذها ولا الطعن فيها أمام القضاء.
وإذا علمنا، مثلا، أن أهم شيء فاجأ المواطن اليوم هو منعه من التنقل بحرية كما كان الأمر عليه من ممارسة حقه في التنقل بكل حرية. كما يضمنه له الدستور في الفصل 24 منه الذي ينص على ما يلي:
«حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة «للجميع وفق القانون.
فإن الفصل المذكور نص على أن حق التنقل مضمون بالقانون، بالتالي فإن التقليص منه أو تغييره أو منع المواطن من التنقل يجب أن يكون بالقانون.
وبما أن القانون يصدر عن البرلمان عندما يكون منعقدا كما هو الحال اليوم، فإن الحكومة لا تملك المس بحق التنقل بواسطة مرسوم. وإنما يجب عليها ان تتقدم بمشرع قانون. وهو ما يصعب عليها اليوم بسبب تسارع الأحداث التي تتغير كل لحظة وتستدعى التغير معها لمواكبتها.
وإن الاستثناء الوحيد هو عندما يكون الأمر يتعلق بمرسوم بقانون الذي لا يحق للحكومة إصداره إلا في إطار الفصل 81 من الدستور. وفي هذه الحالة يجب عليها التقيد بوجوب عرضه على البرلمان للمصادقة عليه بعد افتتاح أول دورة له.
فلنطبق الدستور رحمكم الله !

الكاتب : عبد الكبير طبيح - بتاريخ : 21/04/2020