هل يعود الدفء، من جديد، إلى العلاقات بين الرباط وباريس؟

  يوسف لهلالي

تصريحات وزير الخارجية الجديد لفرنسا ستيفان سيجورنيه ليومية محلية حول عمله شخصيا على تحقيق التقارب بين الرباط وباريس لم تكن مفاجئة، بل تسير في اتجاه تحسن هذه العلاقات وبداية اللقاءات الرسمية على مستويات مختلفة منذ عدة شهور، لكن المفاجأة هي أن نفس الشخصية التي اتهمتها الرباط سابقا بتحريض نواب الاتحاد الأوروبي ضد المغرب هي نفسها التي تقوم بسياسة التقارب هذه. وهو من سيعمل اليوم على إنهاء التوتر الذي عرفته العلاقة في السنوات الأخيرة. وصرح ستيفان سيجورنيه لصحيفة «وست فرانس» اليومية «لقد أجرينا عدة اتصالات مع الجانب المغربي منذ تعييني» في يناير. وشدد في نفس التصريح على أن «رئيس الجمهورية طلب مني الاستثمار شخصيا في العلاقة الفرنسية المغربية وأيضا كتابة فصل جديد في علاقتنا. وسألتزم بذلك». لهذا فإن الجانب المغربي ينتظر معرفة تطور الموقف الفرنسي خاصة من قضية وحدته الترابية التي تعتبر أولوية الديبلوماسية المغربية.
ويعتبر ستيفان سيجورنيه مقربا من الرئيس سواء كمستشار أو كمسؤول عن حزب الرئيس النهضة أو كرئيس لفريق الحزب بالبرلمان الأوروبي. وذلك خلفا للوزيرة كاترين كولونا. ومنذ تعيينه في 12 يناير 2024 ، قام بأول زيارة إلى الخارج إلى كييف لتأكيد دعم باريس لأوكرانيا مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب بين هذا البلد وروسيا.
لم يتم الإعلان عن أي تغييرات في سياسة فرنسا الخارجية بعد تشكيل الحكومة الجديدة. هذا التعيين جعل العديد من المتتبعين بالمغرب يطرحون تساؤلات حول تطور العلاقات بين باريس والرباط التي بدأت تعرف بعض الدفء، والتخوف من أن يكون هذا التعيين عاملا سلبيا على هذا التطور الذي قادته وزيرة الخارجية السابقة كاترين كولونا.
ستيفان سيجورني المقرب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان أحد أدوات الأزمة بين باريس والرباط بعد أن تمكن من دفع البرلمان الأوروبي إلى التصويت على قرار مناوئ للمغرب، وهو ما اعتبرته الرباط آنذاك سلوكا عدوانيا من باريس.
لحسن حداد الذي يترأس اللجنة البرلمانية المختلطة المغربية الأوروبية، صرح للصحافة المغربية السنة الماضية أثناء الأزمة حول هذا السلوك بالبرلمان الأوروبي:» لا نفهم هذا التصعيد من جانب أصدقائنا الفرنسيين الذين نقتسم معهم أشياء كثيرة. « وأضاف في نفس السياق «نحن اليوم تجاوزنا المرحلة التي كان فيها الأوربيون يعطون الدروس لسكان الجنوب، عليكم احترام مؤسساتنا». كما أدان رئيس اللجنة تصرفات النواب الليبراليين التابعين لحزب إيمانويل ماكرون ورئيسهم ستيفان سيجورني.
في ما يخص قضية المغرب الأساسية، قال وزير الخارجية الجديد إن فرنسا كانت دائما على الموعد، حتى في ما يتعلق بالقضايا الأكثر حساسية مثل الصحراء المغربية، حيث أصبح دعم فرنسا الواضح والمستمر لخطة الحكم الذاتي المغربي حقيقة واقعة منذ عام 2007. طبعا الديبلوماسية المغربية سوف تنظر إلى خطوات باريس من زاوية الوحدة الترابية للمغرب، ومدى الخطوات الجديدة التي ستقطعها باريس في اتجاه الموقف المغربي، خاصة أن العديد من البلدان الأوروبية الأساسية سواء ألمانيا أو إسبانيا تطورت مواقفها بشكل جد إيجابي دون الحديث عن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو ما يحتم على باريس، هي الأخرى، إعادة النظر في موقفها السابق الذي اقتصر على دعم خطة الحكم الذاتي منذ سنة 2007، وهو موقف كان متقدما في السابق واليوم أصبح متجاوزا خاصة بعد موقف واشنطن.
اليوم الجميع ينتظر تحولا في السياسة الفرنسية بالمنطقة بعد المصاعب الكبيرة التي تعرضت لها الديبلوماسية الفرنسية بمنطقة الساحل، والانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها هذه السياسية سواء من طرف اليمين الجمهوري أو من طرف اليسار بالبرلمان الفرنسي.
ومن أبرز أسباب التوتر سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التقارب مع الجزائر منذ توليه المسؤولية بقصر الإليزيه دون أن يفلح في ذلك، وهو ما أبعده عن الرباط الحليف التقليدي لفرنسا في العقود الماضية. هذه السياسة الفرنسية لماكرون بالمنطقة هي التي جعلته يعجز عن التقرب من الجزائر، وفي نفس الوقت يفقد حليفا أساسيا بالمنطقة وهو الرباط.

الكاتب :   يوسف لهلالي - بتاريخ : 14/02/2024