وحده سياق النشأة يفسر عقد بنكيران

عبد السلام المساوي

1 – الذين يعتقدون أن الحياة السياسية والحزبية في المغرب ابتدأت مع حزب العدالة والتنمية – رحم لله ع الكريم الخطيب وغفر لإدريس البصري وأطال عمر البقية الباقية ممن شاركوا في فعل الولادة القيصرية للحزب إياه – لا يعرفون أنهم يعيشون في بلد / أمة، عاش قرونا وقرونا قبل أن يفكر حسن البنا في إنشاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي استلهم منه البعض سيرته السياسية.
لم يدرك حزب العدالة والتنمية أنه ضيع فرصتين حقيقيتين، الفرصة الأولى تضييعه للتحول إلى حزب سياسي مدني يتعاطى مع الأحداث والقضايا بحس سياسي مرن وعقلاني وليس بإيديولوجية عقدية تعيقه في التوصل إلى اجتهادات واقعية. أما الفرصة الثانية فهي التحول إلى حزب بمواصفات وطنية فكريا وترابيا والقطع مع الفكر الأممي الذي يؤمن بالدولة الإسلامية العابرة لحدود الدول. فلم يعد الأمر يحتمل وجود حزب سيفه مع المغرب وقلبه مع أعداء الوطن، الوقت وقت حسم ولا مجال لوضع رجل هنا ورجل هناك.
الحاجة اليوم ماسة لحزب الاتحاد الاشتراكي، حزب مواطن، جاد وجدي يؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، حزب يواكب هذا الإبداع الملكي لجلالة الملك محمد السادس، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الخيانة والانفصال واللصوصية بوطنية وبتقدير حقيقيين ، يقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة، وهم كثر….
إن الأقنعة التي لبسها الإسلاميون طويلا، وخدعوا بها الكثير من المغاربة، سقطت أخيرا وظهرت حقيقة عقيدتهم الخبيثة، عقيدة الدمار والتشتيت ووهم الخلافة الذي لم ولن يتحقق. وقضية فلسطين أو الأصل التجاري الذي بنوا عليه مجدهم لم يعد ممكنا تخدير عقول البسطاء بها، وبالدارجة المغربية: ساعتهم سالات …ولم يعد لدجلهم أي تأثير لأن المغاربة اكتشفوا، ولو متأخرين، من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم أعداؤهم الحقيقيون .
2 – تذكير بسياق النشأة حينما كان بنكيران رفقة عبد لله باها يفاوضان عبد الكريم الخطيب من خلال رفيقيه الشراط والعقباني، كان تيار ثان من الجماعة الإسلامية يفاوض وزير الداخلية إدريس البصري. والهدف واحد، إنه البحث عن مسلك للمشاركة في الحياة السياسية من خلال الترخيص بتأسيس حزب سياسي، أو المساعدة على الاندماج في أي حزب آخر. ولم يكن الأمر سرا أن جماعة الرميد ظلت تنتظر الضوء الأخضر من أقوى وزراء الداخلية على عهد الراحل الحسن الثاني. وهي الجماعة التي كانت تتكون وقتها من أحمد الريسوني، وعبد الرزاق المروري، وعبد السلام بلاجي، وأحمد المشتالي. لذلك ظل الخطيب متحفظا من وصول خبر هذا التفاوض لإدريس البصري، الذي لم يكن ليقبل بتغييبه من تدبير ملف على غاية كبيرة من الأهمية، ولولا العلاقات التي كانت تتوفر للخطيب، وقربه الكبير من أصحاب القرار ، لأفشل إدريس البصري عملية الالتحاق، التي انطلقت بزيارة قام بها كل من الشراط والعقباني إلى مقر حركة الإصلاح والتجديد اللذين فاتحا بنكيران بشأن شروط هذا الالتحاق، بحضور كل من عبد لله باها ومحمد يتيم، وهي شروط ركزت أساسا على نظام الحكم وإمارة المؤمنين، ونبذ العنف، خصوصا وأن الصورة التي عرف بها هؤلاء هي أنهم كانوا متطرفين. شروط لم يبد بشأنها بنكيران أي تحفظ، خصوصا وأن الجماعة الإسلامية كانت توجد وقتها في موقف ضعف لأنها كانت تراهن أساسا على المشاركة في الحياة السياسية، كما أنها سبق أن أعلنت عن جملة من المراجعات ضمنتها في عدد من بياناتها ورسائلها السياسية.
كانت المشاورات بشأن الالتحاق قد انطلقت في 1992 غير أن المؤتمر التأسيسي لحزب العدالة والتنمية لم ينعقد إلا في 1996، لكن خلال هذه الفترة بدأ أخوة بنكيران في الاشتغال إلى جانب حركة الخطيب في عدد من الجمعيات، كجمعية البوسنة والهرسك، وجمعية مساندة الفلسطينيين .
إن الانتماء لليسار كان وما زال، في نظر الإسلاميين، تهمة لأنه ضد الدين، في اعتقادهم. واليسار في تصور الإسلاميين، هو ملة واحدة مثل الكفر، لذلك وجبت محاربته. ومن ذلك كانت عملية الاغتيال التي تعرض لها واحد من رموز اليسار وهو الزعيم الاتحادي عمر بنجلون، الذي سقط على أيدي عناصر من الشبيبة الإسلامية التي كان ينتمي لها بنكيران، والذي سيقود عقب الحكم على عبد الكريم مطاع في هذه القضية، بالمؤبد، مسيرة حاشدة ضمت قرابة أربعة آلاف منتمي ومتعاطف مع الجماعة، وقطعت مسافة ما بين المسجد المحمدي إلى حي بنجدية حيث كان يتواجد بيت مطيع.
حينما كان الاتحاد يناضل ويضحي ويتحدى السجون والمعتقلات، يتحدى الاختطافات والإعدامات، كان الإسلاميون يفضلون الاعتكاف في المنازل، وقراءة الورد ليل نهار، وأداء الصلاة خفية، والتستر على كل العلاقات، أيامها كانوا يقولون عن الاتحاد أنت حزب (الملحدين واليساريين الضالين والعلمانيين الملعونين بإذن لله تعالى)، وكانوا يعتقدون أن (التعاون) ضد الاتحاد مشروع وشرعي، بل هو وجه من أوجه نصرة لله تعالى!

 

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 09/06/2022