أجيالنا الصاعدة، لماذا تجهل تاريخ أقاليمها الصحراوية..؟

محمد أديب السلاوي
1
في المائدة المستديرة حول موضوع «التأصيل التاريخي للسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية» التي نظمتها التنسيقية الأوربية لدعم الحكم الذاتي بالصحراء، بمنتجع الهرهورة قبل سنوات ( ماي 2013)، بحضور ومشاركة، أساتذة جامعيين وإعلاميين، ونواب برلمانيين وناشطين في المجتمع المدني، في هذه المائدة، تفجرت قضية غريبة ومحزنة، يمكن أن نطلق عليها عنوانا واضحا، هو: جهل أجيالنا الصاعدة لتاريخ الأقاليم المغربية الجنوبية المسترجعة، وبوضعية قضية هذه الأقاليم في المنتظم الدولي في الوقت الراهن، وهي القضية التي ما زالت قائمة حتى الآن.
القضية محزنة ومخجلة فعلا، وعلى ما أذكر، كادت أن تحول هذه المائدة المستديرة، إلى فضيحة سياسية وإعلامية وأخلاقية لولا تدخل بعض الأصوات لتهدءتها وإخماد لهيبها.
في مفتتح هذه المائدة، أعطيت الكلمة (لمؤرخ وأستاذ مبرز بمعهد الدراسات الإفريقية) لإضاءة تاريخ الأقاليم الجنوبية، قبل الاستعمار الإسباني وبعده، مع التوقف عند أهم المحطات التاريخية التي تطبع الفترة الإستعمارية؟.
ومنذ اللحظات الأولى، استطاع هذا المؤرخ المتمكن، بما جاء به من وثائق ومستندات تاريخية تعود إلى مكتبات وأرشيفات أوروبا وإفريقيا والمغرب، استقطاب انتباه المتتبعين لإضاءاته، لما حملته من إخبار وإحداث وحوادث، لم تعط الدليل فقط، إن الأقاليم الصحراوية هي جزء لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي، ولكنها تؤكد بالحجج الدامغة، أن هذه الأقاليم بقبائلها وإعلامها وتراثها الثقافي، هي أصل هذا التراب، وهي من أعطى لتاريخنا العريق، العميق هويته الجغرافية.
استمر العرض التاريخي، لأزيد من ساعتين، وعوض أن تخوض المائدة المستديرة في مناقشة وتحليل القضايا الجوهرية التي أتى بها المؤرخ من عمق التاريخ والجغرافيا، لتأكيد مغربية الصحراء منذ ما قبل التاريخ، تحولت هذه المائدة إلى تصريحات واستفهامات متتالية، تؤكد غالبيتها، جهل المتتبعين والمشاركين من أبناء الجيل الجديد، من الأقاليم الصحراوية، ومن خارجها، بالتاريخ الذي بسط المؤرخ تفاصيله بالوثائق والمستندات الدامغة، وهو ما حول هذه المائدة إلى اعترافات محزنة لبعض المشاركين من الشباب والكهول، بجهل تاريخ أقاليمهم الصحراوية، واستغراب بعضهم الآخر لإحداث هذا التاريخ التي تعود إلى مئات بل إلى الآلاف السنين، وهو ما حول المائدة المستديرة في نهاية المطاف، إلى نقطة استفهام كبيرة وعريضة، تقول بصوت مرتفع: كيف لنا أن نناضل من أجل قضية نجهل جوانب واسعة من تاريخها..؟.
2
في عرض آخر، لأستاذ جامعي آخر، أكد للحضور بألم وحسرة وصراحة، أن بعض طالباته بالجامعة، يتساءلون دائما و باستمرار عن حقيقة علاقة المغرب بهذه الصحراء… وقال آخر، إن تلاميذ التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي في مدارسنا ومعاهدنا، لا يعلمون شيئا، لا عن الصحراء، ولا عن تاريخها، لأن كتبهم المدرسية، لا تخبرهم عن أي شيء يتعلق بهذا الموضوع… وتساءل إعلامي في مداخلته: ماذا يقدم الإعلام المغربي للمغاربة عن تاريخ الصحراء ؟ ماذا يقدم للأجيال الصاعدة عن ثقافتها وعن هويتها المغربية..؟
وتساءلت ناشطة صحراوية، ما هي ثقافة الدبلوماسيين المغاربة عن الصحراء وكيف لهم الدفاع عنها، في المنتظمات الدولية، وهم يجهلون تاريخها ولا علاقة للكثير منهم بثقافتها وتقاليدها. وتساءل كاتب مغربي: كم عدد الكتب التي تصدر سنويا عن قضية الصحراء وعن تاريخها وفنونها وهويتها الوطنية ؟ وإذا صدرت، وهذا نادر جدا، لمن تتوجه هذه الكتب..؟
قالت هذه التساؤلات بوضوح وصراحة وشفافية: إن الأمر في منتهى الخطورة، وفي حاجة إلى إعادة تقييم.. وإعادة تركيب… وإلى إعادة توجيه وإصلاح.
3
من خلال عروض هذه المائدة المستديرة التي استمرت حوالي أربع ساعات اتضحت بجلاء، ليس فقط مسألة تماسك الجبهة الداخلية ودور المجتمع المدني والنخب والديبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية، ولكن أبعد من ذلك اتضحت سلسلة من القضايا الجوهرية، المحزنة والمؤسفة، والتي مازالت قائمة حتى هذه اللحظة، نذكر منها على الخصوص :
إن الأجيال المغربية الصاعدة، لا تعرف الشيء الكثير عن تاريخ وجغرافية أقاليمها الجنوبية، وإن مناهجها الدراسية، وكتبها المدرسية خالية من أي معلومات أو اضاءات أو دروس عنها.
إن الجامعة المغربية، لم تضع حتى اليوم قضية الصحراء المسترجعة في منهاجها، إذ نادرا ما تشجع طلبة الدراسات العليا على انجاز رسائل أكاديمية حول هذه القضية.
إن الإعلام الوطني، الافتراضي/ المرئي/ المسموع / المكتوب يتعامل حتى الآن مع قضية الصحراء المسترجعة كقضية موسمية، تحضر وتغيب حسب الظروف والأحداث وكأنها قضية ثانوية، في حين أن موقعها السياسي يفرضها يوميا وباستمرار في البرامج والملاحق والزوايا والمتابعات الإعلامية كقضية وطنية مركزية وأساسية.
إن الجيل الجديد من الدبلوماسيين المغاربة، وحتى بعض الدبلوماسيين من الجيل السابق، لا يمكن الثقة في ثقافتهم حول المسألة الصحراوية، ولا يمكن الاعتماد على طروحاتهم في الدفاع عن وجهة نظر المغرب في المنتظمات الدولية. إذ عولت الدبلوماسية المغربية دائما في حل الإشكالية الصحراوية، على الدول الصديقة، مستندة في ذلك على العلاقات الإستراتيجية بين هذه الدول والمغرب ، متناسية ومتجاهلة العقيدة الدولية التي تقول : لا صديق ولا رفيق لها، سوى المصلحة العليا للدولة الغالبة، وهو ما جعل مجتمعنا الدبلوماسي أيضا، يتجاهل تماما القوى الدولية الأخرى ، إضافة إلى المجموعة الإفريقية التي كانت تجمعنا معها كرة القدم، وتبعدنا عنها السياسة، ودول عدم الانحياز ودول العالم الإسلامي التي تمثل عمقا استراتيجيا لبلادنا…وجميعها: يمكنها أن تلعب دورها الريادي في حل الإشكالية السياسية مع الجزائر، إذا ما عرفنا أن نوظف هذا العمق.
4
لا ندري، هل من المفيد أن نقول للمسؤولين المغاربة، حكومة وأحزابا ومجتمعا مدنيا، إنه آن الأوان لنكون جميعا شركاء في تدبير الملف الصحراوي، ذلك لان عامل التماسك الوطني، وتعبئة كل المغاربة، كل الفئات،/ كل الأجيال والحساسيات، من أجل قضيتهم الوطنية، ومن أجل استمرار مغربية الصحراء، هو الحل الصحيح/ هو أن يقوم كل المغاربة، كل من موقعه بدور طليعي في بلورة السياسات والتدابير التي يتوجب علينا القيام بها من أجل صيانة حقوقنا المشروعة، والمحافظة عليها، قبل أن نتفاجئ بقرار أممي يفرض علينا ما لا نقبله وما لا نرضاه وما لا طاقة لنا به.
الأمر اليوم، لا يتطلب منا فقط أن نعيد النظر في مناهجنا التعليمية، وفي سياستنا الإعلامية، وفي رؤيتنا الدبلوماسية، أو أن نعمق فقط تاريخ أقاليمنا المسترجعة في عقول أجيالنا الصاعدة، وفي عقول «جيشنا» الدبلوماسي، أو أن نشجع الكتاب والباحثين والمؤرخين والمفكرين المغاربة من أجل تأليف رسائل وبحوث وأطروحات عن هذه الأقاليم، تاريخها/ آدابها/ فنونها/ أعلامها/ مستقبلها، وتوزيعها على أوسع نطاق بالمغرب والعالم… أو إن ندفع الحكومة المغربية بكل الوسائل الممكنة من أجل تشكيل إستراتيجية وطنية واسعة وعميقة حول الإدماج الموضوعي لأقاليمنا المسترجعة في التراب الوطني…
الأمر لا يتطلب في نظرنا هذا فقط، ولكنه أكثر من ذلك يتطلب من الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني سن سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية جديدة ومبتكرة وإبداعية بالأقاليم المسترجعة / سياسات تساهم في ضم القريب، وفي تقريب البعيد، والإنصات لنبض مواطنينا في الصحراء المسترجعة / واستيعاب مشاكلهم في التعليم والسكن والصحة والشغل/ استيعاب مطالبهم وقلقهم، حتى نكون جزء لا يتجزأ من رؤيتهم لحاضر المغرب ومستقبله.
أفلا تنظرون…؟
الكاتب : محمد أديب السلاوي - بتاريخ : 11/05/2017