أعز ما يُطلب؛ الإرادةُ السياسيةُ السديدة… إذاعات خاصة جدا!
زكية حادوش
حملتني الأقدار في الأيام الأخيرة إلى عدة مناطق محسوبة على ما يسمى» المغرب العميق» أو ما تعتبره العقلية الكولونيالية « المغرب غير النافع»، أي كما تعرفون مناطق حُكم عليها بالتهميش غيابياً فظلتْ لعقود معزولة وحملت ساكنتها وِزْرَ ذنبٍ لم تقترفه.
من بين تلك المناطق، هناك تلك المرتفعة عن سطح البحر بما يناهز ألفي متر، هناك القابعة بين جبال تكسوها الثلوج وصحراء مقفرة كالمستجير بالرمضاء من النار، وطبعا هناك الممتدة عبر فيافي تضاهي الأدغال الإفريقية في شساعتها لكن ليس في غطائها النباتي والحيواني.
هناك من لا يتوفر حتى على غطاء يقيه شر القر فكيف بالتغطية السلكية واللاسلكية، ولا يعرف الجيل الأول من تكنولوجيا الإعلام والاتصال حتى يمر إلى ما بعده… باختصار أعدت اكتشاف المغرب الآخر الذي غيبتني عنه ظروف الحياة القاهرة في العاصمة.
وهكذا، وبعد سنوات من الفراق بيني وبين تلك المناطق من مغربنا الحبيب، اكتشفت أشياء تغيرت بوتيرة بطيئة، وجلها تتعلق بالبنيات التحتية والنسيج الاجتماعي وليس بالعقليات بالضرورة، وأشياء ظلت على حالها. من بين تلك الأشياء التغطية الإذاعية. حيث كان إرسال جميع الإذاعات يتوقف في الطريق إلى تلك المناطق، وعند الوصول إليها لا تسمع في جهاز الراديو سوى أزيز الفراغ… لا حياة لمن تنادي!
في تالسينت، التي يعرفها الجميع بالاسم على الأقل منذ « لعنة البترول» التي التصقت بها مطلع القرن الحالي، استغربت لكون سكانها لا يستقبلون الآن ولو إذاعة واحدة سواء كانت «بشيرة» أو «نذيرة».
وما لبث الاستغراب أن تحول إلى استهجان وإلى تزاحم للأسئلة: ما جدوى تحرير الحقل السمعي البصري بالمغرب إذا كانت مناطق بهذه السعة لا تتوفر على تغطية إذاعية واحدة؟ ما الفائدة من منح الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تراخيص لإذاعات تتركز كلها في مناطق بعينها لأسباب تجارية محضة؟ أين هي الخدمة العمومية التي هي حق للمواطن على الدولة حتى إن وجد في أنأى نقطة على ترابها؟ ربما يجدر بنا مراجعة مفهوم الخدمة السمعية البصرية العمومية، ومساءلة مقاربة تحرير القطاع في حد ذاتها، وكذا أسباب نزول الهيئة العليا الاتصال السمعي البصري جملة وتفصيلا. فالخدمة العمومية لا تعني أبدا إعلاما رسميا يستفيد من أموال دافعي الضرائب ولا يقدم لفئات المواطنين العريضة خدمة عمومية جديرة بهذه التسمية. والإذاعات الخاصة لم تحصل على ترخيص لتغطية الشريط الساحلي الممتد من الجديدة إلى القنيطرة مع بعض المدن السياحية الكبرى فقط، بل يجب تشجيعها عبر شروط ليست تعجيزية على تغطية مناطق منسية من قبيل تالسينت، علاوة على منح تراخيص جديدة بشروط تحفيزية لإذاعات أخرى قد تكون راغبة في البث هناك (الإذاعات الجماعية أو الجمعوية، إذاعات الإنترنت…). أما الهيئة العليا فليست مجرد دركي ينظم حركة السير في السوق السمعية البصرية، بل هي أداة من أدوات التغيير ودعم مشروع مجتمعي مبني على إنصاف المواطنين على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم المجالية والثقافية واللسنية والفكرية.
بلادنا ليست بحاجة إلى إذاعات خاصة جداً، ولا إلى المزيد من التشتت… هي محتاجة فقط إلى تصحيح الاختلالات المجالية الموروثة عن عقود من التدبير الترقيعي. وهذا ليس أمراً صعب المنال بشرط توفر أعز ما يطلب: الإرادة السياسية السديدة.
الكاتب : زكية حادوش - بتاريخ : 18/04/2017