… أَما آنَ كَنْسُ «الرْهُوطِ» مِنْ قَرَارِ حُلمنا؟

زكية حادوش

حلم يتكرر: نريد الركض لكن أرجلنا تتسمر في الأرض، نحرك أيدينا لكنها لا تستجيب كأنها ليست منا، ثم نفتح فمنا ولا يخرج منه أي صراخ ولا كلام…
حين يراودنا هذا الحلم نستفيق مذعورين ونحن نتصبب عرقاً، حلقنا جاف وقلبنا يكاد يتوقف من شدة الخفقان. فيا له من كابوس رهيب!
أكيد أنكم تتفقون معي ألاَّ أحد يريد أن ينام ليجد نفسه فريسة لذلك الكابوس. الآن لنفترض أنها ليست أضغاث أحلام وأننا نعيش يقظتنا كذلك، حياتنا تشبه ذلك الكابوس: نجري لكننا نظل مكانَنا، نحرك جسدنا لكنه يخذلنا، شفاهنا تتحرك لكن ولا كلمة حقيقية تخرج من بينها. ربما نفتح أفواهنا فقط لحشوها بالطعام واللغو.
لنتخيل الأمر هكذا، فماذا سيكون معنى حياتنا وما الهدف منها؟
لا شيء، حياة خاوية… مجرد وهم يحملنا كل يوم على السير وراء ما يسمى العيش والجري وراء أغراض مادية ومعنوية لن يشكل الوصول إليها سوى بداية لجري آخر وراء هدف آخر لا معنى له. وفي الطريق تصادفنا مشاهد صادمة لذوي العقول فكيف بذوي الألباب، غير أننا لا نراها ولا نسمعها ولا نتكلم عنها، تماما كتلك القردة الثلاثة.
طبعاً هذه الحياة جميلة ومريحة، لكنها حتما ليست للبشر. لو كنا نساء ورجالا آليين (روبوت) لكانت لها قيمة. لكننا من دم ولحم، كتلة من العواطف والأفكار والتفاعلات. أو على الأقل هكذا ينبغي أن نكون!
فما الذي حدث حتى صرنا أحياء أموات، لا نحس ولا نفكر ولا نقوم بأي ردة فعل على أفعال شائنة تحدث على مرأى أعيننا ومسمع آذاننا؟ ما الذي يحدث لنا كشعب حتى نشهد مظاهر البشاعة تحتل فضاءنا العام (من توسيخ وتشويه وتدمير للقيم الحضارية المادية واللامادية) ومناكر تقترف نهارا جهارا ضد إنسان وأرض هذا الوطن ولا من يحرك ساكنا!
فتاة تتعرض للاعتداء في حافلة أمام ركابها وسائقها ولا أحد يتدخل لردع أولئك “الرهوط”، فاسدون متلبسون بجرم نهب المال العام بالدليل والبرهان يكافؤون وقد يحصلون على وسام مقابل خدماتهم “الجليلة” بدل الحساب والعقاب، مؤسسات معطلة لا تقوم حتى بواجب ضمان المستوى الأدنى للآدمية للرعية، “مسؤولون” استقالوا من مهامهم في إطار تقاذف المسؤولية: آباء وأمهات تخلوا عن دورهم التربوي للمدرسة والشارع، مدرسة عاجزة أو معَجَّزة عن القيام بدورها وشارع بشع لا يعَلِّم سوى الافتراس والبذاءة، منتخبون لخصوا دورهم في الانتخاب ثم علينا أن نبحث عنهم في “مختفون”، مشاهد خرق القانون من جنح وجرائم كل نصف دقيقة ولا أمن يتدخل، ولا قضاء سوى قضاء الله وقدره…
فما نحن فاعلون؟ هل سنقعد في قاعة الانتظار الوطنية أحياءً أمواتاً إلى أن يتصرف قضاء الله؟ أم نستفيق من سباتنا وتَضْبِيعِنا، وننهض للقيام بواجبنا تجاه ذواتنا ومجتمعنا وأجيالنا القادمة؟
من المؤكد أن عقود الترهيب والترغيب قتلت فينا كشعب النخوة والكرامة بل وحتى الإنسانية، ومن المؤكد أيضا أن المسؤولية مشتركة فيما يقع لنا لكنها مسؤولية متفاوتة الدرجات، فليتحمل كل مسؤوليته! فالتغيير لا يأتي من عدم، التغيير يأتي من الوعي ومن الفعل ومن الشجاعة، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ارفع رأسك يا أخي، وكفى من حياة الذل والقهر والخوف. فماذا سنخسر أكثر مما خسرنا؟ إن حياة تشبه الموت لا تستحق الحياة… ! فأما آنَ كَنْسُ كُل «الرهوط» مِنْ كُل قَرارِ حُلمنا…؟

الكاتب : زكية حادوش - بتاريخ : 29/08/2017