إدارة التوحش : ملامح مستقبل يقوده الطالبان!!

د.عبدالغني السلماني *

عودة الطالبان:

غادرت القوات الأمريكية أفغانستان وتركت لمقاتلي حركة الطالبان ما يكفي من السلاح والدخيرة لخوض حرب قد تدوم وتطول، لابد من التذكير أن الأفغان قاتلوا بالوكالة نيابة عن أمريكا ضد الإتحاد السوفياتي، وقاتلوا ضد حكومة إسلامية أفغانية نصبتها القوات الأمريكية وحلفائها، لهذا المجاهدون لا يتقنون أي عمل غير الحرب والذمار، فمنذ أن وجدوا وتواجدوا لا يعرفون إلا فنون القتل و التقاتل
الإسلام السياسي في العالم الإسلامي كبر و ترعرع على أمجاد نصرة المجاهدين الأفغان ونحن نعرف كيف وصلت طُرق لباسهم إلى بيوتنا وشوارعنا و فضاءاتنا التي نحب، ونتذكر خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي كيف كان يتردد خطاب نصرة المجاهدين من أعلى منابر المساجد المغربية بشكل منتظم ومؤسس كل يوم الجمعة.
المجاهدون الأفغان تجارة عابرة للقارات استفاد منها الجميع ودعمها الجميع، هناك من أشرف على تنظيم الجهاد من هنا إلى أفغانستان تحت عيون الجميع . لهذه الحركة من الرصيد ما يكفي كي تعاد للمشهد من جديد لتسيطر على كامل التراب الأفغاني، بعد ما تم الإطاحة بها من قبل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لما يقرب من 20 سنة ، وما دامت الحرب مكلفة لم تعد أمريكا في حاجة لحركة استنفدت مهمتها في إزاحة خصم وتفكيك معسكر كان نقيضا للرأسمالية العالمية.
انسحاب القوات الأمريكية شجع حركة الطالبان في التقدم من جديد بوتيرة أسرع، حيث تم السيطرة على جميع المدن الرئيسية، بما في ذلك العاصمة كابل ودخول القصر الرآسي وإقامة احتفال في فضاءه. لابد من التذكير أن حركة الطالبان هي تنظيم أفغاني محلي، تأسست من طرف عدد من طلبة المدارس الدينية عقيدتهم ماتوريدية، وهي المصنفة عند السلفيين بأنها عقيدة ضالة مضللة، متشددة فقهيا للمذهب الحنفي الذي لا تستسيغه السلفية، تفكيرالطالبان بسيط وساذج وهذا يظهر من خلال سلوك أفرادها لحظة اقتحام القصر الرآسي، الإسلام من منظورها فرض النقاب، حرمان المرأة من التعليم، ومحاربة الصور والتماثيل وكافة الفنون وإقامة الحدود …، لكنها لا تريد تطبيق ذلك إلا في حدود مناطق حكمها، خصوصا بين البشتون الذين لم يكن عند أغلبهم مانع من تطبيق تلك الأحكام، على خلاف الأوزبك المنفتحين نسبيا والذين كانوا يتذمرون من تسلط طالبان وقمعها للحريات، لكن الحركة لم تكن تحمل أي مشروع عالمي أو نوايا للهيمنة دوليا. حركة طالبان عند دخولها كابل سنة 1996 سعت للحصول على الاعتراف الدولي، واعترفت بها رسميا كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وباكستان وكان حلمها الحصول على مقعد بالأمم المتحدة. وهنا أم الغرائب .

ماذا وقع بالضبط ؟

هناك علامة استفهام تكاد تشاغب العقول، ماذا وقع بالضبط في أفغانستان؟ كيف يمكن أن تفرط أمريكا في بقعة كانت سببا في تغيير موازين قوى عالم كان ينقسم إلى شرق وغرب؛ عالم منهار، عقول تنبؤ بنهاية التاريخ وسيطرة الإديولوجية الرأسمالية ، لا سيما في الأوقات التي تحدث فيها تغيرات استراتيجية مصيرية، وها نحن والعالم معنا يراقب دخول الطالبان العاصمة كابل بدون مقاومة ومزاحمة .من يجلس خلف الكرسي الرآسي؛ بتغطية ميدانية ومباشرة لقناة الجزيرة مدعمة الأحرار وراعية الفتن، سنكون أمام فترة تبدو انتقالية، لم تطوى بعد تجليات الحرب الباردة، طمست معالم النظام العالمي الجديد، لم تنفع حالة السيولة السياسية العالمية التي تتشدق بالعالم الحر المتعدد والمنفتح، لا حديث هناك عن عالم متعدد الأقطاب، والرغبة في بزوغ فجر جديد يعيد البسمة لشعب أفغانستان استعمر بكل أشكال المجاهدين عبر المعمور ، عالم مناف لفكرة التنافس والسلام والتسامح، الحلم الذي تردده مكينة الإعلام الغربي كل لحظة وحين .
من يقدم لنا رؤية عن الأيام القادمة، كيف ستكون ملامحه ؟ علينا أن نتحمل مشقة التفكير بالمستقبل، وأن نفهم ما مصادره، وكيف نتعامل معه؟ وهذا أمر قابل للحكي إذا لزم الأمر، فالتاريخ يخضع لقوانين الجذب والجدل تسمح بالتنبؤ والفعل.
في ظل الحكم الشمولي الذي سيقوده الطالبان ستنشأ مؤسسات جديدة ليست كباقي المؤسسات لكن على أنقاض ما تبقى من رموز وبقايا الدولة، ستكون قاعدتها أفكار القرون الوسطى، وستعاد صياغة الدستور الأفغاني وتوسيعه، ليصبح دستوراً لباقي الأمم الإخوانية الأخرى. ومن أجل ذلك عليه أن يأخذ بعداً متخطياً للقوميات، لا يضمن التنوع وتعدد الأطراف، ديباجته ستتنكر للحقوق والواجبات، لا التزام تجاه الطبيعة والإنسانية والحياة، ربما يضم القوانين الجديدة غير المنصوص عليها في ميثاق الأمم والشعوب التواقة إلى الحرية والكرامة، وستضع الحدود التي بمقتضاها سيكون التطبيق السليم للشريعة الغراء حسب اعتقادهم ….
المستقبل منبت الماضي؟

إنها صيغة وحلم المجتمعات التقليدانية التي تفضل الماضي دون أن تعي وتدرك ما قد يكون عليه المستقبل، علينا أن نتذكر التاريخ من جديد ، كي نرى ثوابت عبرته بإقحام وتنكر، كما نٌقر أنه يوجد هيكل ما للتاريخ العنيد، يسمح بالتنبؤ بتنظيم العقود المقبلة. لكن الغرابة أنه يعيش بيننا قوم لم يستطيعوا إخفاء ابتهاجهم بنصر حركة الطالبان وسيطرتها على القصر الرآسي. هناك من هنأ نفسه على قيام الدولة الإسلامية هناك . وهناك من يتمنى فتح الحدود لكي يحجز تذكرة نحو تركيا كالعادة من أجل نصرة المجاهدين والإسلام هناك .
حركة الطالبان مجرد أداة في يد قوى دولية تضبط توازن العالم لصالح أقطابه المتصارعة حول النفوذ ومصادر الطاقة. وعندما ستقرر هذه القوى إخراج هؤلاء المقاتلين مجددا من القصر الرئاسي وطردهم إلى مغاور الجبال السحيقة فإنها ستفعل ذلك بلا تردد . الطالبان واجهة العالم المتوحش الذي يسيء للدين والمعتقد الذي تعمل الآلة الغربية على تشويهه كل لحظة وحين دون استشارة المتنورين والتقدميين المتدينين ؟
لذلك تباينت المواقف والآراء بين من يرى أن أمريكا هُزمت «هزيمة كبرى» في أفغانستان، وبين من يحذر أن ما حدث ستترتب عليه «أحداث إقليمية وعالمية كبرى» أو ما يسمى بالجيوبوليك الطالبان؟
الغائب في تقديري أن منطقة آسيا الوسطى ستعرف تحولات ، تتنافس فيها الصين والهند وإيران وباكستان وروسيا والولايات المتحدة، ستتحول أو تحولت إلى «ساحة» للإستقطاب واستغلال الخيرات من جديد. ذلك أن مخاوف الشعوب والأمم من سيطرة الطالبان على الحكم «سيفتح الباب أمام تشكل مرحلة يكون فيها للفكر المتطرف دولة يحكمها وهوية يسعى لنشرها، وقابلية ذلك موجودة في الدول الإسلامية وخاصة من يتغول فيها الإسلام السياسي وهو موجود ويتقوى من المحيط إلى الجليج بتفاوت هنا وهناك؟
وعليه؛ لا يمكن أن نعيد عجلة التاريخ إلى الخلف لكي يفهم العالم ماذا يعني وصول حركة طالبان إلى السلطة ، وكيف أن ذلك برما تم باتفاق مع تجار الحرب عن طريق صفقة مع الأمريكيين وحلفائهم وليس بسبب تفوق عسكري كما يتم التسويق له، كل ذلك من أجل توقف أحلام الفُرس بمنع وصول أنبوب النفط الإيراني اتجاه الصين . الهدف هو مجابهة المنافسة الآسيوية التي تقودها الصين وبقية الدول ذات الاقتصاديات الناهضة، وفي الآن ذاته سد الطريق أمام الدب الروسي الذي يتململ من جديد.
الفيديو الذي يظهر تسلق مجموعة من الافغان جناح طائرة عملاقة قصد الهرب والبحث عن فردوس أخر .أقل من جحيم الطالبان وما جاورها …. المصيبة بعد انطلاق الطائرة في السماء تساقط الشباب على الأرض من إرتفاع شاهق…مغامرة الناس بحياتهم وهروبهم من العيش في بلاد يحكمها تنظيم متطرف …مشهد رهيب ودرس مؤلم لمن يهمه الأمر ..!!!
المصيبة الأكبر هناك من يعيش بيننا ومعنا…تغمره فرحة وسعادة بوصول هذه الكائنات إلى السلطة .. أمة التطرف تهلل وتكبر !!!! فرغم ما أبدته الطالبان من مرونة في أول ندوة صحفية لها عن طريق المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد، في أول مؤتمر صحفي في العاصمة الأفغانية كابل ؛حيث قدم تطمينات وتعهدات باحترام حرية الصحافة كما أكد أن النساء سيسمح لهن بمواصلة عملهن شرط وضعهن الحجاب أو غطاء للشعر، وأن ارتداء المرأة للبرقع بات اختياريا لكن على المرأة أن ترتدي الحجاب على الأقل. وأعلن مجاهد «نهاية الحرب» والعفو عن جميع الخصوم. كل ذلك يأتي في محاولة الحركة التقرب من المجتمع الدولي والحصول على اعتراف بشرعيتها في الحكم.حتى يتأكد العالم أن الطريق إلى السلطة غاية تبررها كل الوسائل ولو تطلب الأمر استغلال المقدس من جديد …السؤال هل هذا تحرير؟ أم توحش جديد؟؟ !!!
هل تستطيع هذه الحركة المتعطشة للحكم والدم أن تكون رحيمة بالعباد والمختلفين؟؟ خاصة أن هناك هجمات غير مبررة على المدنيين وعمليات إعدام للجنود الأسرى التي تتستر عليها آلة الإعلام المصاحبة ، ماذا يقول العالم لقادة الطالبان الذين طالبوا الأهالي بتسليم النساء غير المتزوجات ليصبحن «زوجات» لمقاتليهم !! جرائم الطالبان لا يمكن أن تمحوها نية التعاون الجديد الذي أبدته الحركة اتجاه المنتظم الدولي .ربما الرغبة في السلطة ومتعة الحكم ستبررها الفتاوى الصادرة عن تجمعات التنظيمات الموازية التي تشرعن كل أشكال العنف بلغة مقاصد فقه الواقع والتدرج في الحكم! إمّا أن ينفجر الفرح والأمل وهذا مستبعد أو يتفجّر الدم وهذا هو السائد في عقيدة التطرف نتمنى أن ينفجر السلم ولا يتفجّر الدم من جديد..

 

*ناقد وباحث

الكاتب : د.عبدالغني السلماني * - بتاريخ : 18/09/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *