إنه الإذلال الصهيوني لفرنسا، يا “باسكال بونيفاس”؟

زكية حادوش

في إطار «تخليد» الذكرى السبعين لقيام «الكيان الصهيوني»، تلاحقنا بعض وسائل الإعلام السمعي البصري الأوروبية بأشرطة وثائقية وتحقيقات وأفلام وصور من الأرشيف عن حقبة الحرب العالمية الثانية وما رافقها من أحداث وجرائم حرب.
لا بأس، أكيد أنه في المقابل هناك وسائل إعلامية أخرى محسوبة على «العرب» ستقدم ما تيسر من مواد إعلامية وسينمائية عن «النكبة» وما رافقها وتلاها من جرائم حرب لا تقل فظاعة عن الأولى، مستمرة إلى اليوم. على الأقل سيكون لدى المتتبع بعض التوازن في وجهات النظر وفي قراءة التاريخ، بشرط تمكنه من اللغة العربية! لأن وسائل الإعلام الناطقة بغيرها والمؤثرة فعلاً في الرأي العام العالمي هي بين أيدي «المتصهينين». لكن هناك من سيتساءل عندنا: ومالنا نحن وكل هذا؟ بدعوى أن المسألة كلها ليست إلا صراعاً بين أبناء العمومة (اليهود والعرب)!
لا داعي للإسهاب في الرد على هذا الطرح المغلوط بالقول: ومالنا نحن و»الأبارتايد» في جنوب إفريقيا مثلا؟ لأن الطرح الذي لا يميز بين الديانة (اليهودية) والعرق (العرب) من جهة، ولا يفرق بين الديانة اليهودية والإيديولوجية الصهيونية من جهة أخرى، لن يطلع علينا أبداً بتحليل منطقي ( حتى لا نقول غير تطبيعي !) لما حدثَ ويحدثُ حالياً… أما ما سيحدث فيدخل في إطار الغيب الذي يتولاه المنجمون وقارئات الفنجان حسب هذه «النظرة السلَطِيَةْ» (من السَّلطة أي شْلاظَة بالدارجة المغربية) للأشياء.
بكل تجرد، أؤكد أننا معنيون مباشرة، لأن ما حدث في القرن العشرين أثر جذرياً على موازين القوى في العالم، وقَلبَ أحوالنا رأساً على عقب. فوِفْقاً لعقلية المنتصر (الحلفاء)، أو (نظرية أن التاريخ يكتبه المنتصرون؟)، لا يكفي فقط أن ندفع، نحن المحسوبين قهراً وقسراً على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثمن «جرائم الحرب النازية» بالاقتطاع من أراضينا وزرع كيانات دخيلة علينا حتى يكون لضحاياهم التاريخيين دولة. إذْ ينبغي أن نكفر عن «ذنوبهم» أيضاً، ضد جماعة تلعب دور الضحية باستمرار، وإن «زعم» أحدهم أن الضحية تحولتْ إلى جلاد تَهُب تلك المجموعة القوية إلى تدميره باتهامه بمعاداة السامية وبإخراج صور «الحل النهائي» الفظيعة من أدراجها، وربما بالبصق في وجهه وسبه وتهديده بالسمل (فَقْءُ العين) وربما الصلب (أن يُصلبَ كالمسيح تماما)، كما حدث أخيرا للأستاذ «باسكال بونيفاس» مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي مباشرة بعد نزوله من الطائرة في مطار «بن غوريون» لإلقاء محاضرة في القدس. هل تدخلتْ الشرطة الإسرائيلية لمنع الاعتداء منها عليه؟ هل تدخلتْ دولته (فرنسا يا حسرة؟)، لتستفسر الكيان الإسرائيلي عن سوء معاملة مواطنها؟ لا طبعاً، فمن ذا الذي يخاطر بالقول «للضبع» بأن فمك «خانز»؟ بل الأدهى أن «عصبة الدفاع اليهودية» أعلنت رسمياً «ابتهاجها» لهذا الاعتداء!
المهم، شئنا أم أبينا فنحن ندفع ثمن المعسكرات النازية والحرب العالمية التي لم نشارك فيها سوى كلحم مدفعية (chair à canon) باعتبارنا مستعمَرين من طرف القوى المتقاتلة على شيء واحد في الحقيقة، ألا وهو «المجال الحيوي» واقتسام الغنائم (موارد طبيعية وبشر الكوكب) فيما بينها. وذلك ما تم فعلاً، وها نحن بعد قرن إلا ربع نؤدي الضريبة تلو الأخرى، ولنا أن نتخيل لو انتصرت دول المحور كيف سيكون حالنا؟
طبعا سنكون في نفس الصف، صف «المذنبين» بالوراثة الذين هم في الحقيقة ضحايا ضعفهم. لو انتصرت ألمانيا كان «الحل النهائي» سيطبق علينا كذلك ما دمنا نحسب على «الساميين» وما دمنا نُختن ذكورنا! وما دمنا استقبلنا اليهود مثل المسلمين بعد طردهم من أوروبا وقيام محاكم التفتيش المتدثرة برداء المسيح (وهو براء منها إلى يوم الدين).
الآن ليس أمامنا إلا تقبل الواقع، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحميلنا وزر كل ما حدث صعوداً إلى «الخطيئة الأولى» (خطيئة أبينا آدم وأمنا حواء)! أو رفض هذا الواقع على الأقل عبر الوعي به، وذلك أضعف الإيمان.

الكاتب : زكية حادوش - بتاريخ : 04/05/2018