الأدوار التأطيرية الجديدة لمؤسسات دور الشباب

عبد الرحيم الهاني *

تكتسي مؤسسة دار الشباب أهمية كبيرة في هرم مؤسسات التنشئة الاجتماعية باعتبارها بنية تربوية موازية تقدم للشباب والأطفال مختلف الخدمات الثقافية والتربوية والاجتماعية والفنية…، فضلا عن بعض الأنشطة الرياضية، كما تشكل فضاءات لتجمع وممارسة أنشطة آلاف الجمعيات والمنظمات التربوية والثقافية والاجتماعية على الصعيد الوطني .
ويمكن اعتبار مؤسسة دار الشباب مرفقا عموميا للقرب وفضاء للقاءات الشباب، تعمل على تنمية قدراتهم وتطوير مهاراتهم ومواكبة تطلعاتهم من أجل مستقبل أفضل، وهذا ما أظهرته أطر هذه المؤسسة الاجتماعية في جائحة كورونا بشكل تطوعي وعفوي من خلال حرصها على الرفع من منسوب التوعية والتحسيس بالمخاطر التي يسببها انتقال هذا الفيروس وكذا سبل الوقاية من انتشاره، بالإضافة إلى محاولاتها التخفيف من الآثار الاجتماعية والنفسية والتربوية التي خلفتها الجائحة على أطفال وشباب وعموم أفراد الأسرة، عبر الانخراط الإيجابي في ابتكار برامج وأنشطة ذات أبعاد سوسيو تربوية وثقافية تتماشى ووضعية حالة الطوارئ الصحية.
ومن منطلق هذه الأدوار والمهام التي تلعبها مؤسسة دار الشباب في مجال الطفولة والشباب على الصعيد الترابي، فإن المغرب يزخر بشبكة مؤسساتية مؤلفة من أكثر من 600 دار للشباب، بمعدل دار شباب واحدة لكل 20.888 شابا وشابة، تتراوح أعمارهم بين 15 و 35 سنة و16.000 شابا تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة، 40٪ منهم في المناطق القروية و60 ٪ منهم متواجدون بالعالم الحضري، كما تشكل دار الشباب 41٪ من مجموع البنيات التحتية التي تشرف على تدبيرها وزارة الثقافة والشباب والرياضة وباقي الفرقاء، وفي المقابل نجد أن هناك أكثر من 34٪ هي نسبة الشباب المغربي من مجموع سكان المغرب، و82 ٪ منهم لا يقومون بأي نشاط و72 ٪ يقضون أوقات فراغهم في أنشطة غير منتجة للرفاه الاجتماعي  حسب إحصاء المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2014 .
كل هذا يدفع بالتفكير إلى إعادة النظر في هذا النموذج المؤسساتي وخدماته بما يجعلها تجيب على الأسئلة المطروحة من طرف الأجيال الجديدة للأطفال والشباب والتحديات التي تواجههم إثر الأزمات الاقتصادية والتغيرات العالمية ما قبل جائحة كورونا وما بعدها، وهذا لن يتم إلا بالدفع لتفعيل ثلاث منطلقات تأسيسية :
أولها: إنتاج المعطيات وتحليل الوضعية وتقييم السياسات والبرامج الخاصة بدار الشباب.
ثانيها: دعم نهج التمويل العمومي الذي يخدم إقلاع مؤسسة دار الشباب.
ثالثها: الانخراط في مسلسل اللامركزية والجهوية كمؤشر للتنوع المجالي للمرتفقين.
يمكن إعتبار هذه المنطلقات تمهيدا أوليا من أجل إنتاج البدائل وبلورة المقترحات القادرة على جعل مؤسسة دار الشباب المؤسسة رقم واحد لتصريف السياسات العمومية والبرامج الوطنية الموجهة للطفولة والشباب، والهادفة إلى توفير المهارات والفرص اللازمة التي تضمن انتقالهم الناجح إلى مرحلة الإدماج الاجتماعي، ويمكن صياغة العناوين العريضة لهذه المقترحات والبدائل على النحو التالية :
1 ــ توفير إطار تشريعي وتنظيمي واضح لمؤسسة دار الشباب يمنحها وضعا قانونيا ومؤسساتيا جديدا، وهو المدخل الحقيقي لأي تغيير يضمن نجاعة الأداء والتدبير الأمثل وفق المعطيات الجديدة لدستور 2011.
2 ــ خلق توافق وطني بين جميع الفرقاء ومكونات دار الشباب حول نموذج جديدة للأدوار والمهام والخدمات بما يجعلها منفتحة وجاذبة للمرتفقين بكل تلاوينهم الاجتماعية والثقافية من أجل ضمان نجاح مستدام وفق البنيات التحتية المتاحة والممكنة .
3 ــ تطوير إطار مرجعي للكفاءات والمهن ومسارات تنمية الموارد البشرية المشرفة على برامج وخدمات دار الشباب، بالإضافة إلى تكريس ثقافة التكوين والتكوين المستمر بشكل قار ودوري ومواكب لاحتياجات المرتفقين.
4 ــ تمكين مؤسسة دار الشباب من إطار للشراكات الترابية والاستراتيجية متعددة الفاعلين بشكل رسمي قصد تحقيق مهامها وتنزيل أدوارها وفق برنامج مشروع المؤسسة الخاص بها.
5 ــ تنمية مصادر تمويل أنشطة وخدمات مؤسسة دار الشباب وضمان استقلالية ميزانيتها.
كل هذا يجعل من تطوير مؤسسة دار الشباب وضمان إقلاعها كمؤسسة تعنى بمصاحبة الشباب والأطفال وتأطيرهم سعيا جماعيا من أجل ابتكار أساليب وآليات الإدماج الاجتماعي الحقيقية للمرتفقين، من خلال مراعاة الخصوصيات الترابية التي تلعب دورا حاسما في تحديد وبلورة السياسات العمومية التي تضمن النفاذ إلى الحقوق، وانتزاع الاعتراف بالوجود بشكل إيجابي ، وتوفير الموارد للاستثمار في التنمية البشرية .

* إطار تربوي

الكاتب : عبد الرحيم الهاني * - بتاريخ : 02/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *