الأمراض الطفولية للإدارة المغربية

فتح الله رمضاني

 

الحديث عن إصلاح الإدارة، يعني بالضرورة حديثا عن التفكير في آليات و تدابير جديدة، تهدف إلى تحسين أداء الإدارة، وتصحيح اختلالاتها، من أجل الرفع من أهدافها و غاياتها، وهو ما يعني أيضا الحديث عن فلسفة وعن قاعدة تصورات محددة وموجهة لمسار هذا الإصلاح، وبالتالي محددة للأهداف المتوخاة منه، والتي لا يجب أن تصب إلا في اتجاه تحسين جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنات و المواطنين.
ولما كانت الإدارة، هي الجهاز و الآلية التي تقدم الدولة من خلالها أهم وظائفها، والمتمثلة في تقديم الخدمات العمومية للمواطنين، ونظرا لأن حاجيات المواطنين، حاجيات متزايدة ومتغيرة اضطرادا مع الزمن، فإنه من العادي أن يكون ورش إصلاح الإدارة، ورشا مفتوحا وممتدا عبر الزمن، وذلك من أجل جعلها قادرة على استيعاب متطلبات المواطنين، لكن بالرغم من اعتبار ورش الإصلاح هذا، مسلسلا مستمرا ومفتوحا، إلا أن اختلاف الفلسفة التي تحكم فصوله، باختلاف قناعات المشرفين عليه، تجعلها فصولا مختلفة، من حيث الوسائل والصيغ و كذلك الهدف.
الظاهر أن الفلسفة التي تحكم تصور الإصلاح الإداري، عند وزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية اليوم، هي فلسفة تتأسس على غايات الإصلاح، أي على قدرة الإدارة المغربية في تقديم خدمة جيدة للمواطنات والمواطنين، وهي الفلسفة التي تحكمها مرجعية الحزب السياسي الذي ينتمي إليه السيد الوزير، فهو قيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يتبنى الاشتراكية الديمقراطية كهوية، وهي فلسفة تنسجم تماما مع مضامين الخطب الملكية، لا سيما خطابي 14 أكتوبر 2016 و 29 يوليوز 2017، والتي أكدت على ضرورة جعل الإدارة المغربية في خدمة المواطنين، ومع المقتضيات الدستورية، التي أكدت على ميثاق المرافق العمومية.
والمتتبع لتصريحات السيد محمد بنعبد القادر، سيلاحظ بأنه ينطلق في تشخيصه لوضع الإدارة المغربية، من نشأتها، كيف أحدثت؟ لماذا أحدثت؟ و لأجل ماذا أحدثت؟
في إحدى كلماته، التي ألقاها الوزير الاتحادي في إطار لقاء فكري نظمته الوزارة، بتنسيق مع أحد المراكز الدولية، وصف بنعبد القادر، أعطاب الإدارة المغربية، بالأمراض الطفولية، أي الأمراض التي نمت معها منذ نشأتها، وتجذرت بتجذر الإدارة المغربية، وقد شكل هذا الوصف، أو النعت إن صحت العبارة، مدخلا للوقوف على أهم مشاكل واختلالات الإدارة المغربية، كما حدد الصورة التي يجب أن يكون عليها الإصلاح الإداري اليوم، وهو ما يسميه محمد بنعبد القادر، بالإصلاح التحويلي، والذي يتأسس على أربع تحولات كبرى، هي تحول تدبيري و تنظيمي و تخليقي ثم التحول الرقمي، والتي يقع عليها الرهان لتكون علاجا جذريا لكل أمراض الإدارة المغربية، بحيث ستؤسس لمفهوم الخدمة العمومية، الذي سيؤطر الغاية من وجود الإدارة.
خلال كلمته السالفة الذكر، وفي معرض تشخيصه لحالة الإدارة المغربية، نبه بنعبد القادر، إلى معاناة الإدارة المغربية مع ثلاثة أمراض، لازمتها منذ النشأة، أول هذه الأمراض كان حسب تشخيص الوزير، هو مرض السلطوية، وهو المرض الذي ورثته الإدارة المغربية، من الحماية الفرنسية، ومن ميزة الإدارة المخزنية، ذلك لأن كل نظم الحماية، هي نظم استعمارية سلطوية، ولأن فلسفة المخزن اقترنت منذ نشأته بالتسلط و الضبط.
ثاني الأمراض الطفولية، هو مرض التدخل، حيث كانت الإدارة المغربية إدارة متدخلة (Interventionniste) في كل القطاعات، وكانت تلعب دور التسيير، بدل دور الرقابة والتنظيم، وقد كان هذا النموذج يجد مشروعيته، في غياب اقتصاد خاص وطني، لكن بالرغم من تراجع الإدارة المغربية، عن دور التدخل، مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنها لازالت تحتفظ ببعض صفات و سلبيات هذا الدور.
والمرض الطفولي الثالث حسب السيد الوزير، فهو مرض مرتبط بطبيعة النموذج الإداري المغربي، والذي تغيب فيه كل معاني وإجراءات تدبير الاستحقاق، وتقنيات التقييم، حيث ارتبط وجود الإدارة المغربية، التي كانت موجودة لذاتها و فقط، و ليس لغيرها، أي للمواطن، بتقديم الهبات و المكافآت وتدبير الأزمات و المسارات المهنية للموظفين، ( les carrières) عوض الاستناد على جودة الخدمات المقدمة، و بالتالي الاستناد على مردودية الموظفين، و مدى التفاني في خدمة المواطنات والمواطنين.
ولأن الإصلاح الذي يقترحه بنعبد القادر للاستشفاء من هذه الأمراض الطفولية، التي تعاني منها الإدارة المغربية، إصلاح نابع من تصور سياسي واضح، يستند على مضامين الخطب الملكية والمبادئ الدستورية وعلى مرجعيته الاتحادية السوسيو-ديموقراطية، التي تحدد مسؤوليات الدولة والتزاماتها، ولا ترى للإدارة أي هدف أو دور، إلا تقديم الخدمة العمومية للمواطنات و المواطنين، فمن العادي جدا أن يكون فيه المواطن المركز والهدف، وأن تكون جودة الخدمات المقدمة إليه هي الغاية.

الكاتب : فتح الله رمضاني - بتاريخ : 17/10/2017