الأمن الرياضي في المغرب ..رؤية استشرافية في ظل التحديات المستقبلية

المهدي كمال الحجام
تحدثنا في مقال سابق عن الدور الحيوي الذي يلعبه اقتصاد الرياضة في التنمية الوطنية، وكيف أصبح الاستثمار في البنية التحتية الرياضية رافعة أساسية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. لكن لا يمكن الحديث عن الاستعدادات الجارية لتنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، مثل كأس الأمم الإفريقية 2025 ومونديال 2030، دون التوقف عند البعد الأمني، الذي يمثل ركيزة أساسية لضمان نجاح هذه التظاهرات على المستويات كافة.
لقد برهن المغرب، ولا زال، على قدرته الفائقة، ويقظته العالية، في تأمين الفعاليات الرياضية الكبرى، من خلال مقاربة أمنية متكاملة تجمع بين الاستباقية، والاحترافية، والتنسيق المحكم بين مختلف الأجهزة الأمنية.
ومع تزايد حجم التظاهرات الرياضية واستقطابها لملايين الجماهير من مختلف دول العالم، أصبح الأمن الرياضي عاملاً حاسماً ليس فقط في حماية الأفراد والمنشآت، بل أيضاً في تعزيز صورة الدولة كوجهة آمنة وموثوقة لاستضافة الفعاليات الكبرى.
يستند النموذج الأمني المغربي إلى رؤية متجددة تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي تشهدها الساحة الرياضية، سواء من حيث تزايد التحديات الأمنية أو من حيث تطور ديناميكية المشجعين. فالأمن لم يعد يقتصر على تأمين الملاعب فقط، بل بات يشمل حماية الجماهير الغفيرة المشجعة في الملاعب، وضمان انسيابية حركة المرور، وتعزيز الأمن السيبراني، ومكافحة العنف المرتبط بالرياضة. في هذا الإطار، أظهرت الإحصائيات الرسمية خلال الفترة الممتدة بين 2022 و2024 تسجيل 2745 حالة متعلقة بأعمال الشغب الرياضي، مع إحالة 680 قاصراً إلى القضاء وإصابة 74 من رجال الأمن، مما يؤكد الحاجة إلى مقاربة أمنية شاملة تتجاوز الحلول التقليدية وتعتمد على الوقاية والتوعية والتحسيس، إلى جانب التدخل الأمني الصارم.
وبالنظر إلى التجارب الدولية الناجحة، تبنت السلطات الأمنية المغربية نهجاً يجمع بين الردع والتأطير، مستفيدةً من التجربة الإنجليزية التي ركزت على العقوبات الصارمة وتحسين البنية التحتية، والتجربة الألمانية التي أولت اهتماماً بالإدماج الاجتماعي للمشجعين، والتجربة الفرنسية التي طورت منظومة معلوماتية متقدمة لتتبع مثيري الشغب. هذا التنوع في الاستراتيجيات يعكس حرص المغرب على تكييف منظومته الأمنية مع أفضل الممارسات العالمية، مع مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي وديناميكية جماهيره.
وبناء على ما سبق، تفرض التظاهرات الرياضية المقبلة، وعلى رأسها مونديال 2030، تحديات جديدة على الأجهزة الأمنية، نظراً لحجم الجماهير الوافدة وتنوع ثقافاتها والاهتمام الإعلامي الكبير الذي يصاحب هذه البطولات. لذلك، يسابق المغرب الزمن لتعزيز منظومته الأمنية من خلال إنشاء مراكز مراقبة ذكية، وتحديث أنظمة التعرف على الوجوه، وتطوير آليات الاستجابة السريعة في حالات الطوارئ. كما يشهد التنسيق الأمني على المستوى الدولي تطوراً ملحوظاً، حيث يتم تبادل المعلومات والخبرات مع الأجهزة الأمنية للدول الشريكة لضمان تنظيم كأس عالم بمعايير دولية.
وإلى جانب التكنولوجيا المتطورة، يشكل تأهيل العنصر البشري ركناً أساسياً في تعزيز الأمن الرياضي، حيث يتم إخضاع العناصر الأمنية لدورات تدريبية متخصصة في إدارة الحشود والتعامل مع الأزمات واستخدام وسائل المراقبة الحديثة. كما يتم التركيز على مهارات التواصل والتفاوض، إلى جانب تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين من أمن وطني، ودرك ملكي، وقوات مساعدة، وسلطات محلية لضمان التدخل السريع والفعال عند الحاجة.
وعلى مستوى أخر، لا يقتصر النجاح الأمني على الترتيبات الوقائية والتدخلات الميدانية، بل يشمل أيضاً تطوير الإطار التشريعي لمحاصرة الظواهر السلبية المرتبطة بالرياضة، إذ يعد القانون 09.09 المتعلق بمكافحة الشغب الرياضي خطوة مهمة في هذا السياق، إذ يشدد العقوبات على مثيري الفوضى داخل الملاعب، كما يسعى المغرب إلى تعزيز ترسانته القانونية من خلال مراجعة بعض النصوص لتتماشى مع المتغيرات الحديثة، مع توسيع نطاق التعاون الدولي في هذا المجال من خلال اتفاقيات مثل “سان دوني” التي تتيح تبادل المعلومات حول مثيري الشغب ومنعهم من دخول الملاعب خلال الفعاليات الكبرى.
لقد أثبتت التجربة المغربية في تأمين التظاهرات الرياضية الكبرى فعاليتها، حيث نجحت المملكة في تنظيم وتأطير فعاليات مثل كأس العالم للأندية 2023، وجائزة مراكش الكبرى للفورمولا E، وغيرها من التظاهرات التي مرت في ظروف آمنة واحترافية. كل هذه الإنجازات تعكس جاهزية الأجهزة الأمنية وقدرتها على التعامل مع مختلف السيناريوهات، مما يعزز ثقة المجتمع الدولي في استعدادات المغرب لاستقبال كأس العالم 2030، ويؤكد أن المملكة ليست فقط قادرة على استضافة الحدث، بل أيضاً على ضمان تنظيمه في بيئة مستقرة وآمنة.
وعليه، لا يمكن تحقيق نهضة رياضية حقيقية دون منظومة أمنية قوية ومرنة قادرة على مواكبة التحديات الجديدة. فالأمن الرياضي اليوم لم يعد مجرد ضرورة تنظيمية، بل أصبح عنصراً حاسماً في نجاح التظاهرات الرياضية واستدامتها. والمغرب، بفضل رؤيته الاستراتيجية، لا يكتفي فقط بتطوير بناه التحتية الرياضية، بل يعمل أيضاً على ترسيخ مفهوم الأمن الرياضي الشامل، ليؤكد للعالم أنه ليس فقط مستعداً لاستضافة أكبر البطولات، بل قادراً أيضاً على تنظيمها وفق المعايير الدولية المتعارف عليها معايير، الضامنة للأمن والأمان، ليكرس مكانته كوجهة رياضية عالمية رائدة ومتميزة.
الكاتب : المهدي كمال الحجام - بتاريخ : 01/03/2025