الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والدولة الاجتماعية

سعيد الخطابي (*)

يشكل مشروع الدولة الاجتماعية في السياق المغربي أفقا تاريخيا يعكس تطلعات جماعية نسجها أبناء الشعب المغربي بمختلف فئاتهم الاجتماعية في سياق البحث عن الكرامة والإنصاف والاستقرار، ويبرز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية داخل هذا الأفق كفاعل سياسي وفكري راكم تجربة نضالية وتنظيمية جعلت من العدالة الاجتماعية والديمقراطية المتلازمة مع التنمية ركيزتين مركزيتين في مشروعه المجتمعي. فالعلاقة بين الفكر الاتحادي والحلم المغربي ليست علاقة ظرفية بل تعبير عن مسار طويل من التفاعل مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع المغربي.
انبنى الفكر الاتحادي على تصور شمولي للدولة باعتبارها إطارا ضامنا للتوازن بين مختلف الفئات الاجتماعية وحاضنة لعقد اجتماعي يقوم على الحقوق والواجبات والمسؤولية المشتركة، فالدولة الاجتماعية في هذا المنظور تمثل أداة استراتيجية لتنزيل العدالة الاجتماعية في الواقع من خلال سياسات عمومية تستحضر حاجيات الميسورين والطبقة المتوسطة والفئات الشعبية ضمن رؤية مندمجة للتنمية.
تحتل الطبقة المتوسطة موقعا محوريا في هذا التصور باعتبارها ركيزة للاستقرار الاجتماعي والدينامية الاقتصادية، وقد ظل الاتحاد الاشتراكي مدافعا عن شروط استدامة هذه الفئة عبر سياسات تعليمية عمومية ذات جودة وخدمات صحية فعالة ونظام ضريبي متوازن يعزز الثقة بين المواطن والدولة، كما يشكل تمكين الطبقة المتوسطة من أدوات الارتقاء الاجتماعي مؤشرا أساسيا على نجاعة السياسات العمومية وعلى متانة البناء المؤسساتي.
أما الفئات البسيطة فيرتكز إدماجها في المشروع الاتحادي على مقاربة تنموية تستهدف تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتعزيز الاستثمار العمومي في المجالات القروية والهامشية، ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتوسيع آليات الحماية الاجتماعية، ويعكس هذا التوجه قناعة فكرية ترى في الإنصاف الاجتماعي شرطا لبناء مجتمع متماسك وقادر على إنتاج الثروة بشكل عادل.
وفي إطار هذا التصور الشامل، تنفتح الدولة الاجتماعية الاتحادية على الفئات الميسورة ضمن منطق التكامل المجتمعي والمسؤولية الوطنية، فتنظيم الثروة وتوجيهها نحو الاستثمار المنتج والخدمات العمومية يعزز الاستقرار الاقتصادي ويخلق بيئة مؤسساتية مواتية للنمو المستدام بما يخدم مصالح مختلف الفاعلين داخل المجتمع.
يستمد هذا المشروع قوته من التراكم النضالي والفكري للاتحاد الاشتراكي الذي أسهم في ترسيخ الارتباط بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية وجعل من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جزءا لا يتجزأ من البناء الديمقراطي، وقد أنتج هذا المسار ثقافة سياسية تؤمن بدور المؤسسات وبأهمية التخطيط الاستراتيجي وبضرورة إشراك المواطن في صياغة القرار العمومي وتتبع تنفيذه.
في هذا السياق، يبرز استكمال الهيكلة التنظيمية للحزب كمدخل أساسي لتعزيز القدرة الاقتراحية وتحويل المرجعية الفكرية الى سياسات عمومية قابلة للتنزيل، فالتنظيم المتماسك يوفر الأرضية لإنتاج نخب سياسية متخصصة قادرة على استيعاب تعقيدات التدبير العمومي وعلى التفاعل مع التحولات الوطنية والدولية، كما يتيح هذا المسار الانتقال من منطق التعبئة العامة إلى منطق البناء المؤسساتي القائم على الخبرة والتخصص.
ومن هذا المنطلق، تكتسي بلورة مكتب سياسي مقترح جديد أهمية استراتيجية بالغة، فالتوجه نحو تشكيل مكتب سياسي يضم كتابا وطنيين مكلفين بمجالات محددة يشكل تطورا نوعيا في الأداء الحزبي ويعكس إرادة واضحة للارتقاء بالفعل السياسي إلى مستوى التخطيط القطاعي والاقتراح العملي. إن توزيع المهام داخل المكتب السياسي وفق مجالات مثل الاقتصاد والمالية، التعليم والتكوين، الصحة والحماية الاجتماعية، العدالة والمساواة، التشغيل والشباب، التنمية المجالية، العلاقات الدولية، والانتقال الرقمي، من شأنه أن يعزز الفعالية التنظيمية ويقوي الحضور المؤسساتي للحزب.
يتيح هذا النموذج من القيادة السياسية بناء برامج استراتيجية قائمة على المعرفة الدقيقة بالقطاعات، وعلى التتبع المستمر للسياسات العمومية، وعلى إنتاج بدائل واقعية تستجيب لحاجيات المجتمع، كما يعزز هذا التوجه قدرة الاتحاد الاشتراكي على التفاعل مع البرلمان والجماعات الترابية والمؤسسات الدستورية من موقع الاقتراح والتأطير في انسجام مع مبادئ التدبير الصاعد والحكامة الجيدة.
وفي أفق استشراف قيادة حكومية ذات نفس اجتماعي، يشكل هذا البناء التنظيمي المتقدم رافعة أساسية لنجاح التجربة، فحكومة تنبثق من حزب منظم يمتلك رؤية استراتيجية وهيكلة قطاعية واضحة تملك قدرة أكبر على تنزيل مشروع الدولة الاجتماعية في السياسات العمومية وعلى ضمان الانسجام بين البرنامج الحكومي والتدبير اليومي للشأن العام.
في المحصلة، يتقاطع الحلم المغربي المشترك مع المشروع الاتحادي في سعيهما نحو بناء دولة اجتماعية قوية قادرة على ضمان الكرامة والانصاف وتكافؤ الفرص، ويبرز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبر ربطه بين التجديد التنظيمي والقوة الاقتراحية والعمل المؤسساتي الاستراتيجي كفاعل مؤهل للإسهام في قيادة هذا التحول وترسيخ دولة تجعل من الإنسان محور السياسات العمومية ومن العدالة الاجتماعية أساسا للتنمية والاستقرار.

(*)عضو المجلس الوطني للحزب

الكاتب : سعيد الخطابي (*) - بتاريخ : 20/12/2025