البحث عن الزمن الضائع

خديجة مشتري

أزيد من ثلاثة أشهر قضاها التلاميذ المغاربة في رحلة تيه طويلة، بين مدرسة توقف أساتذتها عن العمل ومنزل يقضون فيه وقتهم إما جالسين أمام التلفاز أو ماسكين هواتفهم، يتجولون بين موقع وآخر وصفحة لأخرى ..يتابعون محتويات تافهة وغرائبية على مواقع التواصل الاجتماعي،لأشخاص يرددون مختلف التفاهات التي قد لا تخطر على البال، بهدف جمع المال السهل والتسول بطرق «موديرن» لم يسبقهم إليها أحد من العالمين، أو يلعبون لعبة «فري فاير» وغيرها، ناسين أو متناسين محافظهم التي لا تزال أغلب دفاترها عذراء لم يمسسها قلم، بل لم يخط فيها حتى تاريخ أول حصة منذ بدء هذا الموسم الدراسي البئيس..
تلاميذ قد تجدهم أيضا منتشرين بوزراتهم البيضاء على قارعة الطريق أو في الحدائق العامة يجربون كل أنواع الألعاب الطفولية و «لي بيتيز» التي قد تتحول إلى ألعاب خطيرة وإجرامية، بعيدا عن أسوار المدرسة وعن مراقبة الأهل ..
الزمن الضائع للتلاميذ خلال هذا الموسم الدراسي زاد من جراح المدرسة المغربية ونتائجها المخجلة التي تبوئها ذيل المراتب، وفاقم من معاناتها، وجرها جرا إلى أسفل سافلين، زمن ضائع فكرت الوزارة في تعويضه بأسبوع يتيم، أسبوع سيتعلم خلاله تلاميذ الابتدائي والمستويات الصغرى كل ما فاتهم من أبجديات القراءة والكتابة والحساب …وسيستطيع خلاله تلاميذ الثانوي والإعدادي والمستويات الإشهادية أن يحيطوا علما بكيفية القفز الطولي والعرضي لمحاصرة الدروس الفارة من جذاذات أساتذتهم وقنصها بشكل احترافي لأسرها داخل أدمغتهم وعند الامتحان يطلقون لها العنان بعد ترويضها لصيد النقاط والعلامات الكاملة.. أسبوع من التحصيل المجدي والجدي سيعوض ساعات التسكع في دروب اللامبالاة بمصلحة التلميذ الفضلى وإهمال ما يهمه وما ينفعه في هذه السن الصغيرة، وتركه لقمة سائغة لوسائل التواصل الاجتماعي التي أدخلت في رأسه الصغيرة أن الدراسة لا تهم وأن «لايف» واحد قد يجلب له الملايين دون تعب ولا سهر ..أسبوع واحد سيمحو سياسة أنا وبعدي الطوفان التي يتقنها البعض منا مع سبق الإصرار والترصد…
الزمن الضائع الذي يبحث عنه المسؤولون عن الشأن التعليمي والتربوي ببلادنا لن يختزل في يوم أو شهر أو سنة، فخلال سنة 2023 تم تسجيل انخفاض في نسبة المتحكمين في التعلمات الأساس إلى أقل من 20 في المائة، وتراجع المستوى العام للتحصيل الدراسي بحوالي 20 نقطة، وارتفع عدد المنقطعين عن الدراسة ليصل إلى 350 ألف بعدما سجل 334 ألف السنة ما قبل الماضية، في حين توقفت أنشطة الحياة المدرسية منذ شهر ماي الماضي بسبب الإضرابات، أليس هذا زمنا ضائعا يلزمه الكثير من الجهد والإرادة لقنصه وترويده ليعوض سنوات وسنوات من تعليم مغربي يتخبط في المشاكل ومنظومة تعليمية تحتضر وإصلاحات ليس فيها من الإصلاحات إلا الاسم.. لقد مرت أربع سنوات منذ إصدار القانون الإطار 51-17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي ونشره بالجريدة الرسمية دون أن يجد لحد اليوم مساره الصحيح داخل المدرسة المغربية ودون أن نجد له وقعا أو صدى، وهو القانون الذي صادق عليه البرلمان سنة2019 والذي جاء كتجسيد للرؤية الاستراتيجية 2030-2015.
التعليم المغربي وصل عنق الزجاجة، تعليم يلزمه الكثير من الجهد والإرادة والإخلاص والجدية من جميع الفاعلين ..غير ذلك سنظل في بحث دائم عن زمن ضائع وسيضيع، سواء عاد الأساتذة أم استمروا في البحث عن تحقيق المطالب ..وسواء تخلص التلاميذ من عاداتهم السيئة التي اكتسبوها خلال هذه العطلة الإجبارية وقبلها، أو قرروا الالتفات إلى دراستهم لأنها السبيل الوحيد أمامهم للمضي قدما في الحياة .. الزمن الضائع للتلاميذ المغربي سيستمر الجميع في البحث عنه إلى أن يجد قطار التعليم سكته آنذاك سنتوقف عن البحث..ربما!

الكاتب : خديجة مشتري - بتاريخ : 09/01/2024