«البوطا» تلهب الجيوب وتحرق القلوب!

اسماعيل الحلوتي

في الوقت الذي مازالت فيه موجة السخط تتصاعد في أوساط الطبقات الفقيرة والمتوسطة، جراء استفحال ظاهرة غلاء الأسعار التي ما انفكت تنهك قدرة المواطنين الشرائية، ولاسيما بعد أن عرفت أسعار المحروقات ارتفاعا قياسيا، انعكست آثاره على جميع المواد الأساسية والأكثر استهلاكا في السنوات الأخيرة، وتحديدا بعد تفشي جائحة «كوفيد-19» وما خلفته من تداعيات اقتصادية واجتماعية، أبت حكومة أخنوش إلا أن تعمق جراحهم من خلال الزيادة في أثمان «البوطا»، الصغيرة والكبيرة.
ذلك أنه منذ حتى قبل الإعلان عن الزيادة في أسعار قنينات غاز البوتان والنقاش حول هذا الحدث يستأثر باهتمام المغاربة من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية. إذ أنه وفي إطار إصلاح منظومة دعم أسعار غاز البوتان، عبر التقليص الجزئي من الدعم العمومي الموجه لهذه المادة الحيوية برسم سنة 2024، وفق المنصوص عليه في قانون المالية برسم سنة 2024 المصادق عليه من قبل البرلمان، قررت الحكومة في شخص وزارة الاقتصاد والمالية رفع أسعار «البوطا» ابتداء من يوم الاثنين 20 ماي 2024، حيث تم تحديد زيادة بقيمة 2,5 بالنسبة لقنينة الغاز من حجم 3 كيلو غرام، و10 دراهم بالنسبة لقنينة الغاز من حجم 12 كيلو غرام…
وهي الزيادة التي خلفت استياء عميقا في صفوف الأسر المغربية، لما يترتب عنها من زيادات أخرى في ظل مسلسل الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الأساسية، فضلا عن أنها جاءت على بعد أسابيع قليلة من حلول عيد الأضحى الذي يتطلب مصاريف إضافية، ولاسيما أن أسعار الأضاحي ستكون حارقة خلال هذه السنة، جراء ضعف العرض مقارنة مع السنة الماضية، والذي يعود إلى الخصاص الهائل المسجل في السوق الوطني، على عكس ما يدعيه وزير الفلاحة محمد صديقي من وفرة في القطيع الوطني.وقد بدأت تباشير ذلك تلوح في الأفق، من خلال وصول سعر الكيلو غرام الواحد من فصيلة «الصردي» إلى 85 درهما في الأيام الأخيرة من شهر ماي 2024(وهو ما يعني أن شراء خروف متوسط لا يتجاوز وزنه 60 كيلو غرام يكلف صاحبه أزيد من 5000 درهم).
فبقدر ما سيكون لقرار الزيادة في قنينات غاز البوتان أثر مادي جد مهم من شأنه إنعاش الميزانية العامة للدولة من حيث عائداته، بما يمكن أن يساهم في تمويل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لعدد من الأسر المستهدفة، بقدر ما هناك تذمر كبير من تبعات هذا القرار في ظرفية تتسم بالغلاء ولم تعد تسمح بمزيد من استنزاف الطبقة المتوسطة والشغيلة المغربية بشكل عام، مادام صرف الدعم المالي المباشر لا يشمل جميع الفئات التي تستحقه بسبب سوء التدبير والتقدير. خاصة أن الزيادة في «البوطا» يعني انطلاق مسلسل جديد من ارتفاع معدلات التضخم، إذ أنه من المؤكد أن تتأثر كثير من الخدمات وباقي المواد ويرتفع سعرها هي الأخرى، لكون «البوطا» تعد من بين أبرز المواد الأولية…
ثم إنه إذا كان قائد حزب «الأحرار» عزيز أخنوش يفاخر بما حققته حكومته من إنجازات غير مسبوقة، حيث قال يوم السبت 25 ماي 2024 خلال فعاليات المنتدى الوطني للمنتخبين التجمعيين، بأن حكومته على عكس من دبر الشأن الحكومي لمدة عشر سنوات دون أن يكلف نفسه عناء الجلوس مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية ولو مرة واحدة، في رده على انتقادات رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران، استطاعت في النصف الأول فقط من ولايتها أن تمكن موظفي القطاع العام وأجراء القطاع الخاص من زيادات مهمة وتاريخية، رغم أنه لم يكن من السهل أمام هذه الظروف الصعبة منح الموظفين والأجراء زيادات قدرت ب»1000» درهم و1500» درهم و»3000 درهم و»4000 درهم، وأنه لو كانت الإمكانيات تسمح بأكثر من ذلك لما تردد لحظة واحدة.
بيد أنه في المقابل تجاهل تلك الملايين من الأسر الفقيرة المقصية من الدعم الاجتماعي المباشر بسبب تشديد شروط الاستفادة وارتفاع معدل ما يسمى «المؤشر الاجتماعي» مع العلم أنها كانت مسجلة سابقا في نظام المساعدة الطبية «راميد»، وتلك الفئات الاجتماعية الأخرى من متقاعدين وذوي الحقوق ومعهم عدد من المتصرفين والمهندسين وغيرهم ممن لم يستفيدوا من أي زيادة في معاشاتهم ورواتبهم على مدى سنوات. فمن أين لمثل هؤلاء المقصيين والمهمشين القدرة على مواجهة غلاء الأسعار والزيادة في سعر «البوطا» وتداعياته إن كان الكثير منهم بالكاد يؤمنون مصروفهم اليومي على حساب صحتهم المتدهورة؟
إننا إذ نستنكر ربط الزيادة في سعر البوطا بتنزيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، فإننا نرفض بشدة أن يكون رفع أجور الموظفين والأجراء في القطاعين العام والخاص، ذا صلة مباشرة بتفكيك صندوق المقاصة، وندعو رئيس الحكومة أخنوش إلى ضرورة التحلي بالحس الوطني وروح المسؤولية قصد التصدي لفوضى الأسعار والغش الحاصل في تعبئة قنينات الغاز وابتكار حلول بديلة وناجعة، عوض الاستمرار في سياسة «ما يعطى باليد اليمنى يسحب باليد اليسرى»، وكفي من أساليب التضليل أمام تراجع القدرة الشرائية للأسر الفقيرة والمتوسطة وذوي الدخل المحدود.

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 04/06/2024

التعليقات مغلقة.