التحديات التي ستواجه ستافان دي ميستورا

نوفل البعمري

 

سبق أن تحدثنا في مقالة سابقة عن المنطلقات الأساسية التي جعلت المغرب يوافق على تعيين ستافان دي ميستورا كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء خلفا لهانس كولر الذي قدم استقالته في أبريل 2019، والذي يُنتظر تعيينه بشكل رسمي في نهاية أكتوبر بقرار أممي صادر عن مجلس الأمن الذي سينعقد لمناقشة تطورات نزاع الصحراء بعد مرور سنة على صدور قرار 2548 الذي مدد بعثة المينورسو لسنة أخرى تنتهي في أكتوبر 2021، وإذا كانت منطلقات المغرب واضحة في قبول هذا التعيين الذي يبقى أهمها التفاعل الإيجابي للمغرب مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع مختلف الأسماء التي سبق أن قدمها لخلافة كولر التي كانت تجد عرقلة من طرف النظام الجزائري، و قد كنا قد فصَّلنا في مقالة سابقة الخلفيات المختلفة لموافقة المغرب على هذا الإقتراح الذي ينتظر التأشير عليه من طرف مجلس الأمن.
وإذا كان قد بات في حكم المؤكد أن مجلس الأمن سيعين رسميا ستافان دي ميستورا كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة وسيتبني مقترحه في الجلسة التي ستنعقد قريبا، فإنه لابد وأن نطرح سؤالا حول وجود مطبات ستعترض عمل المبعوث الجديد، وهي مطبات ستؤدي إلى دخول الملف مرة أخرى من الناحية السياسية في دورة سيزيفية بسبب مواقف خصوم الأمم المتحدة و المغرب، وهي مطبات ستعترض عمل دي ميستورا، وقد يمكن إجمالها في إشكاليتين رئيسيتين عليه معالجتهما مباشرة بعد تعيينه بشكل رسمي، وهما:
معلوم أن الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن باتت تعتبر الدولة الجزائرية طرفا أساسيا في نزاع الصحراء،و قد تجلى ذلك في قراراته الصادرة منذ سنة 2017 إلى آخر قرار خاصة منها تلك التي صدرت أثناء تنظيم مباحثات جنيف 1 وجنيف 2، وهي مباحثات انعقدت على شكل موائد مستديرة كان النظام الجزائري إلى جانب المغرب هما محوراها الأساسيان وهو ما دفع الدولة الجزائرية عندما شعرت بأن المبعوث السابق قد بات يتعامل معها كطرف رئيسي في النزاع عمدت إلى إجهاض المسلسل الذي كان قد أطلقه، وعرقلت كل الأسماء 12 التي اقترحها غوتيريس لخلافة كولر لأنها تعيي أن إحياء العملية السياسية فيه إحراج لها و«توريط» لها في النزاع لا يمكن أن تتهرب منه إلا من خلال إجهاض المسلسل السياسي ككل لتفادي أي تقدم يحملها كامل المسؤولية السياسية عن هذا النزاع، وقد يكون ستافان دي ميستورا وهو يطلع على المسار السياسي الذي قطعه الملف له كامل الوعي بأسباب تهرب النظام الجزائري من المسلسل الأممي والدوافع التي جعلته يُجهض تعيين أي شخصية خلفا لكولر، لكن هذا الوعي الذي سيكون قد تولَّد لدى دي ميستورا أكيد أنه سيصدم مع المواقف الجديدة للنظام الجزائري اتجاه المغرب،مواقف تصعيدية تهدف جر المغرب لمواجهة إعلامية، سياسية وقد تكون هناك محاولة لجره لحرب خاطفة، ابتدأت بقرار أحادي الجانب بقطع العلاقة مع المغرب، وصولا لحظر الطيران فوق الأجواء الجوية الجزائرية…

قرارات النظام الجزائري التصعيدية التي لم يسبق لوزير خارجيتها أن قدم أسبابا معقولة عنها ستكون أول مطب سيواجهه المبعوث الجديد ومعه الأمم المتحدة، إذ كيف يمكن لهذا المبعوث أن يقوم بمهمته و بتقريب وجهات النظر، وبالوساطة و هو سيواجه طرفا كل يوم يخرج بقرارات تصعيدية وعدائية ضد طرف آخر معنيان معا بالنزاع وبالحل!!!
هذه العقدة يحتاج دي ميستورا أن يفكها قبل أن يتقدم بأي خطوة سياسية في الملف،إذ لا يمكن تصور نجاح عمله دون أن توقف الجزائر مواقفها العدائية الأحادية الجانب اتجاه المغرب، إذ يستحيل الانطلاق من جديد في مباحثات أممية من حيث انتهى كولر في جنيف 2 والطرف الأساسي في هذه المباحثات له هذه المواقف اتجاه المغرب،كيف سيجلسان معا على الطاولة المستديرة والدولة الجزائرية قررت قطع كل علاقتها بالمغرب، ومازالت تتخذ خطوات وقرارات عبثية اتجاه المغرب؟!
هذا التحدي مطروح، بل هو أكثر من تحدي هو واحد من العراقيل الأساسية التي ستواجه ستافان دي ميستورا ومجلس الأمن أثناء صدور القرار المقبل،إذ سيجدان نفسيهما أمام طرف لم يكن يريد نجاح العملية السياسية وهو يقيم علاقته الدبلوماسية مع المغرب،فكيف والحال هاته وهو كل يوم يخرج بقرارات تصعيدية غريبة؟!!
• المطب الثاني هو مطب مرتبط بتنظيم البوليساريو الذي سبق له أن أعلن بعد العملية الأمنية الناجحة التي قام بها الجيش المغربي في المنطقة العازلة واستكمال المهندسين العسكريين المغاربة بناء الجدار الأمني وتأمين المنطقة من مليشيات البوليساريو التي كانت تمارس بلطجتها على السائقين وأعضاء بعثة المينورسو، على خروجه من اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعه مع الأمم المتحدة سنة 1991، وكذلك خروجه من الاتفاق العسكري رقم 1 الذي وقعه مع بعثة المينورسو،هذا الوضع الذي جعل تنظيم البوليساريو في وضعية إعلان حرب على الأمم المتحدة وعلى بعثة المينورسو مازالت مستمرة مادام أن مليشيات البوليساريو لم تغير من موقفها اتجاه الأمم المتحدة واتجاه اتفاق وقف إطلاق النار، ومازالت هذه التهديدات العسكرية-المليشياتية تستهدف بالأساس أعضاء البعثة الذين يتحركون في المنطقة العازلة لتأمينها وفقا لما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار.
وضعية البوليساريو هاته تثير عدة أسئلة حول طريقة تعاطيها مع المبعوث الجديد،و طريقة تعاطي المبعوث الجديد كذلك مع هذا التنظيم الذي وضع نفسه خارج الشرعية الدولية و أصبح في موقع التنظيمات الإرهابية،إذ أعلن الحرب ووضع نفسه اتجاه عكس مسار العملية السياسية وخارج اتفاق وقف إطلاق النار،فكيف يمكن للمبعوث الجديد أن يُطلق أية مبادرة مع تنظيم يتحرك بمنطق مليشياتي سبق أن هاجم أعضاء بعثة المينورسو!!
ستافان دي ميستورا عليه أن يفك عقدة علاقة هذا التنظيم المليشياتي بالأمم المتحدة و قبل أن يطلق أية مبادرة سياسية،فعليه أن يجيب بنفسه على سؤال: ما موقع تنظيم البوليساريو من العملية السياسية؟ إذ أن الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل العملية السياسية ككل، ويجب أن تجعل المغرب قبل الدخول في أي مبادرة سياسية قد يطلقها ستافان أن يتم تحديد موقع هذا التنظيم من اتفاق وقف إطلاق النار،إذ لا يمكن الحديث عن موائد مستديرة وطرف ثالث في النزاع بعد الدولة الجزائرية مازال معلناً الحرب في المنطقة، ومازالت تهديداته تطال المدنيين في المخيمات وتستهدف بعثة المينورسو مادامت هذه الأخيرة هي التي تتواجد بالمنطقة العازلة،فلا يمكن تصور عملية سياسية في ظل هذا الواقع المرتبط بالمنطقة.
ستافان دي ميستورا وهو ينتظر تعيينه بشكل رسمي سيصطدم بواقع جديد في المنطقة، بدولة تسعى لإشعال المنطقة بالحرب حتى لو كانت تعيي أنها ستخسرها مادامت ستحقق هدفها وهو تخفيف الضغط السياسي الداخلي، وطرف ثاني تنظيم مليشياتي مازال معلنا الحرب على الأمم المتحدة وخارج المسلسل السياسي الذي أطلقه اتفاق وقف إطلاق النار.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 27/09/2021