التعديل الحكومي الإسباني بطعم ملتمس الرقابة ضد نفسها

محمد العربي هروشي

لم يفاجئني ما أقبل عليه سانشث، رئيس الحكومة الإسبانية، من إعادة ترتيب في المطبخ الداخلي لحكومته، وكنت أشرت في مقالات سابقة إلى أن التدبير الحكومي الإسباني على مستوى السياسة الخارجية يعاني من أعطاب في آلياته لعل أبرزها توتر العلاقات التقليدية بين المملكتين الجارتين المغربية والإسبانية، والتي بلغت حدا غير مسبوق من الخطورة إثر ارتكاب الدبلوماسية الإسبانية خطأ فادحا تمثل في استقبال رئيس عصابة البوليساريو من طرف أرنشا، وزيرة الخارجية، السابقة(غير المأسوف على مغادرتها) بأسلوب هتشكوكي مريب ومسيء للأعراف القانونية والديبلوماسية:
قانونيا، ما أقدمت عليه أرنشا،طبعا، كان تحت أعين سانشث، رئيس الحكومة الإسبانية، وبمباركة كل الائتلاف الحكومي، على رأسه أبرز مكوناته بوديموس، المعروف بدعمه للنزعة الانفصالية حيثما كانت ـانطلاقا من بلاده ووصولا إلى المغرب حاشرا أنفه في دعم سافر لأطروحة انفصاليي البوليساريو، دون تقدير سياسي ولا اقتصادي للمصالح المشتركة بين بلده وجاره المملكة المغربية .
علاوة على استقبال لغريب بصفة منتحلة متابع من طرف القضاء الإسباني ومن طرف مواطنين إسبان نكل بهم وبأسرهم لما كان متزعما مليشيا يتنقل بين كتبان بوكراع سبعينيات القرن الماضي، وهذا موثق لدى جمعية الدفاع عن هؤلاء الضحايا بكنارياس (أنظر أوكدياريو ).
ما يهمنا هنا من هذا الجانب القانوني، هوانفراد وزيرة الخارجية باستقبال مجرم مطلوب لدى محكمة بلادها وتقوم باستقباله دون علم ولا إذن من الجيش الإسباني في تهور أخرق كانت نتيجته المتوقعة والطبيعية أن تغادر أرنشا المنكلوا وأن تكون المساءلة من الغرفة القضائية بسرقسطة في ظرف أسبوع لتجيب الوزيرة السابقة عما اقترفته.
كنت أشرت في مقال سابق إلى أن وزير الداخلية الإسباني كان حكيما حينما عبر عن تحفظه، وبكل جرأة وقوة، من هذه الخطوة التي كان يعلم مدى تكلفتها مع الجار المغربي خصوصا في القضايا المشتركة على مستوى الأمن القومي للبلدين:
الهجرة غير الشرعية والاتجار في المخدرات ..كان وزير الداخلية الإسباني مارلسكا يقدر هذا البعد الاستراتيجي مما حصنه من أي إقصاء من الحكومة المعدلة جينيا بحكم هيمنة الشباب والجنس اللطيف على الحقائب الوزارية.
ديبلوماسيا، أساءت أرنشا إلى علاقات الجوار والمصالح المشتركة بعدم إحاطة المملكة المغربية بمشروعها «الإنساني جدا» لاستقبال غالي بكل الحيثيات التي باتت معروفة، والتي فوتت على بلادها مبالغ باهظة يدرها العبور عبر ميناء الجزيرة الخضراء لثلاثة ملايين راكب و 26 ألف عربة محمولة على بوارج إسبانية.
ورغم كل هذا الحدث الإسباني بامتياز، إلا أنني لا أعتقد أن له تأثيرا كبيرا على الانفراج بين المملكتين المغربية والإسبانية، على الأقل في مداه القريب، لأن في تقديري ومتابعتي للشأن السياسي للبلد الجار، ومنذ صعود حكومة سانشث مثيرة الجدل بتوجهها النيوليبرالي والانفصالي بشكل مفارق، وأنا أتوقع بأن هذه الحكومة لن تستقر، وأنها مهددة بالسقوط جراء ملتمس رقابي من المعارضة اليمينية بيد أنه لولا دعم المكونات إياها (بوديموس وباقي المكونات اليسارية الصغرى ) لكانت في خبر كان .
ومع ذلك أرى أن هذا التعديل الذي أقدم عليه سانشث بتغيير وزرائه المنتمين للحزب الاشتراكي العمالي هو بمثابة ملتمس رقابة ضد نفسه، والذي لأول مرة يستجيب لصوت الحزب، بل إن خروج REDONDO حيث كان يشغل رئيس ديوانها مما أفرح صقور الحزب العمالي الإسباني كون أن الشخصية التي عوضته OSCAR LOPEZ، الذي هو جد مقرب من دواليب الحزب ويحظى بالقبول، والذي سيعمل منفتحا على المؤسسات الترابية التي يديرها الحزب مباشرة (يرجع إلى إلباييس عدد 11 يوليوز 2021 ). وعلى أن هذا التعديل مقصود به الداخل الإسباني الضاج بالأزمات المتمثلة في الشغل والأجور وقضايا اجتماعية أخرى واقتصادية من الكهرباء والماء إلى باقي الخدمات .
إن المقصود من هذه الجلبة الحكومية هو تمديد الزمن السياسي لعمر هذه الحكومة 30 شهرا أخرى إلى غاية نهاية ولايتها القانونية، وتهدف أيضا إلى التمكن من8000 مليون يورو المرصودة من طرف اللجنة الأوروبية لإسبانيا إن هي قامت بالإصلاحات المملاة عليها من طرف هذه الأخيرة، كما صرحت بذلك ORSULA VON DER LEYEN رئيسة اللجنة الأوروبية، وهو المبلغ الذي يفوق ما تتلقاه مدريد من بروكسيل .
وعليه فإن الدبلوماسية المغربية لعبت دورا هاما في ترجمة الخطاب السيادي الندي بين جارنا المشاكس، وإن الاستمرار في نهج الأسلوب ذاته من شأنه أن يقوي التفاوض في القضايا الحساسة بين البلدين، خاصة الترابية ذات الصلة بالسليبتين سبتة ومليلية والجزر، وإن كان لا بد من الجلوس مرة أخرى مع وزير الخارجية الإسباني ألباريس لتجربته السابقة في المغرب فلتكن، لكن تحت سقف المطالب ذاتها التي للمملكة المغربية، وعلى إسبانيا أن «تنزل من فوق البردون» كما يقول مثلها الدارج حينئذ لكل حادث حديث.

الكاتب : محمد العربي هروشي - بتاريخ : 14/07/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *