التغول الحكومي يدخل البلاد إلى نفق مظلم…

عبد الحق عندليب

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحي المحمدي- عين السبع وقفت بإمعان عند مضامين ودلالات الكلمة الافتتاحية التي أدلى بها الكاتب الأول للحزب إدريس لشگر، عند تقييمه للوضع السياسي في بلادنا، في ظل التغول الحكومي الحالي، فقد أشار إدريس لشگر إلى أن هناك ممارسات غير مقبولة جسدها في «مافيات انتخابية» اتهمها بإفساد العملية الانتخابية وأكد على ضرورة تجفيفها والتصدي لها، كما أكد الكاتب الأول أن التغول الحكومي يجمد اليوم كل المكاسب والإصلاحات الدستورية، حيث يتم تقليص أدوار مؤسسات هامة كالبرلمان ومؤسسات الحكامة وغيرها…
إن هذه الصورة البليغة الدلالات التي يجسدها الوضع الذي توجد عليه الحكومة غير المنسجمة للملياردير أخنوش تزيد من تأكيدها العديد من المؤشرات والمعطيات والتحاليل التي يمكن إجمالها في الملاحظات التالية:
– ما يجري اليوم في أكبر وأهم قطاع استراتيجي ألا وهو قطاع التعليم من تدهور لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب، حيث أبانت الحكومة عن عجز تام في مواجهة تداعيات الإضراب الذي تجاوز ثلاثة أشهر بل يهدد بسنة بيضاء. أقول إن ما يجري في هذا القطاع يعد مأساة حقيقية حيث يتم التضحية ب 7,5 مليون تلميذ وتلميذة والزج بهم جميعا في نفق مظلم، ولعل المسؤولية في هذا التدهور تتحملها بالدرجة الأولى حكومة التغول بسبب سد أبواب الحوار المسؤول والهادف والناجع مع النقابات المسؤولة منذ بداية الأزمة مما أعدم منسوب الثقة في الحكومة، وفي أي عمل مؤسساتي مسؤول، ورجح في المقابل كفة التصعيد والتطرف والدفع بالوضعية نحو المجهول.
– غلاء المعيشة الذي بلغ ذروته بل ومازالت الأسعار تشهد ارتفاعا مستمرا حيث اكتوت بنارها الطبقات الفقيرة وحتى المتوسطة، مما ينذر بتوسع دائرة الفقر والهشاشة والتحاق جحافل من الطبقة الوسطى التي تعد صمام الأمان بالنسبة لاستقرار البلاد بجيوش الفقراء والمعوزين. أمام هذا الوضع لم تبدع حكومة التغول أي بديل عن رفع الأسعار، بل على العكس من ذلك تصدت لمقترحات المعارضة الاتحادية بخلق الضريبة على الثروة وتخفيض الضرائب وتوسيع دعم الدولة للطبقات المعوزة ورفع أجور الطبقة العاملة.
– لولا المبادرات الملكية القوية في مواجهة جائحة كورونا وفي مواجهة تداعيات زلزال الحوز والأقاليم المجاورة، ولولا المشروع الملكي الضخم المتعلق بالتغطية الصحية والاجتماعية، ولولا التدخل الملكي للشروع في وضع أسس نموذج تنموي جديد، ولولا أخذ زمام المبادرة مباشرة في ملف تنظيم كأس العالم 2030 وكاس إفريقيا 2026، ولولا الإشراف الملكي المباشر على ملف الصحراء المغربية، حيث تمت مواجهة خصوم وحدتنا الترابية بنجاح مكن المغرب من تحقيق مكاسب دبلوماسية كبيرة، ولولا فتح النقاش المجتمعي حول مدونة الأسرة في أفق تصحيح اختلالاتها، أقول لولا هذه المبادرات الملكية لحصدت بلادنا في ظل التغول الحكومي الحالي كل علامات الخيبة والفشل في هذه الملفات الحيوية مما قد يجعلنا على مشارف سكتة دماغية.
– تتأكد هشاشة وهزالة التغول الحكومي المهيمن من خلال التصريحات التي أدلى بها المندوب السامي للتخطيط محمد الحليمي، الذي اختزل وضعية البلاد في ظل التغول الحكومي وهو يتحدث إلى صحيفة «ميديا 24»، أننا بصدد الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي والتفاوت الطبقي إلى مرحلة جديدة عنوانها الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية…
– وأختم بالصورة التي تكونت حول بلادنا وحول مؤسساتها المنتخبة بسبب الأحكام القضائية الصادرة في حق عدد من أعضاء مجلس النواب الذين بلغ عددهم 29 متابعا بتهم الفساد، منهم من تم عزله ومنهم من ينتظر إصدار الحكم القضائي ضده ومنهم من يتابع وهو في حالة اعتقال، كما أن عددا من رؤساء الجماعات الترابية جهويا وإقليميا ومحليا، والذين عاتوا في جماعاتهم فسادا، هم الآن على ذمة التحقيق، أو أصدرت عدد من المحاكم في حقهم أحكاما بالإدانة، بل الأخطر في كل ذلك أن تنتقل جرائم المفسدين من تبديد المال العام واختلاسه وتزوير الوثائق والمحاضر وانتهاك قانون الصفقات إلى الاتجار في المخدرات مما يشكل ضربة قوية لصورة بلادنا ولصورة النخب السياسية الجاثمة على مؤسساتنا المنتخبة.
إن هذه الصورة القاتمة التي ترسمها الوقائع وتعززها المستندات وتؤكدها المعطيات والتحاليل تبين أن ما توقعه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من فشل لحكومة التغول، والتي بنت أغلبيتها على المال السائب، وعلى نخب فاسدة عوض الكفاءات والبرامج، قد تحقق فعلا، وأن الوقت قد حان للبحث عن حلول واقعية استعجالية وشجاعة كفيلة بتوقيف النزيف قبل أن تتطور الأزمة إلى ما لا تحمد عقباها.
لذلك فإن الوضع لا يقبل، في نظري، التأجيل أو المزيد من هدر الزمن السياسي،
فالحل الحقيقي والشجاع يقتضي التعجيل بالدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها ما دامت شروط رفع ملتمس الرقابة منعدمة في ظل التغول الحكومي، وذلك قصد فرز نخب سياسية جديدة كفؤة قادرة على إبداع الحلول الممكنة وتحقيق إجماع شعبي حول اختياراتها، وعلى ترجمة وتفعيل الخيارات والتوجهات الملكية الكبرى على أرض الواقع في برامج تنموية ملموسة ومستجيبة للتطلعات والحاجيات الحيوية والضرورية للمواطنات والمواطنين، لكن هذه الانتخابات لا يمكنها أن تفي بالمتطلبات إلا إذا كانت نظيفة ونزيهة وشفافة ومنفتحة على البرامج والكفاءات، ولا مجال فيها لبيع وشراء الذمم حتى لا يتكرر نفس المشهد السياسي السريالي البئيس، وحتى لا تمتد الأزمة في الزمن ولا يستمر التوغل داخل النفق !

الكاتب : عبد الحق عندليب - بتاريخ : 08/01/2024

التعليقات مغلقة.