الجزائر وموريتانيا: الرياضة تفشل في هزيمة السياسة «تسييس الهزيمة» والتنمر على منتخب «المرابطين» !

مختار الدبابي

في منطق كرة القدم، مثّل انتصار موريتانيا على الجزائر في «كان» ساحل العاج مفاجأة، ولم تكن المفاجأة الوحيدة. المفاجآت كانت كثيرة، حيث نجحت منتخبات ناشئة في الفوز على فرق ذات تاريخ وأمجاد في كؤوس أفريقيا الماضية، ولجأت بعض الفرق إلى إقالة مدربيها استعدادا لمناسبات رياضية قادمة وانتهى الأمر.
لكن لقاء الجزائر وموريتانيا لم ينته بعد بالرغم من ترشح موريتانيا إلى الدور الموالي وانسحاب الجزائر للمرة الثانية على التوالي من دور المجموعات. أشواط إضافية من هذا اللقاء تواصلت على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفيما اعتبر الموريتانيون أن عبور «منتخب الخضر» معجزة، وقالوا بتلقائيتهم المعهودة إن النصر في النهاية كان عربيا، وأنه لن يؤثر على العلاقات الأخوية بين الشعبين، فإن بعض وسائل الإعلام الجزائرية رأى في ترشح موريتانيا مسّا من عظمة الجزائر وتاريخها ونجومها الذين ينشط أغلبهم في فرق كبرى بأوروبا.
ولأيام ساد خطاب من التنمر على موريتانيا، من ذلك حديث وسائل إعلامية جزائرية خاصة عن أن «دولة خارجية» قد دفعت تكاليف تربص المنتخب الموريتاني قبل كأس أفريقيا، والذي جرى في تونس، وكذلك تكاليف الإقامة في «الكان»، وأن هذا التكفل شمل أيضا النقل الجوي والمستلزمات اللوجستية من ملابس ومعدات مختلفة، في إشارة مبطنة إلى عجز موريتانيا عن تأمين حاجيات منتخبها، ورهن قرارها لدولة، ما دفع الاتحاد الموريتاني لإصدار بيان تكذيب.
أحد المعلقين الجزائريين المعروفين قال في نبرة تضمر تقزيم الخصم والإعلاء من شأن منتخب الخضر «مبروك لموريتانيا العظيمة» هذا الترشح. ومدرب الجزائر جمال بلماضي نفسه سأله صحافي من الشقيقة موريتانيا «هل ستعتذر وتستقيل في حال الفشل»، فقال «سنفوز في مقابلة الغد»، أي أن موريتانيا لن تقدر على هزم الجزائر.
صحيح أن الأمر لم يأت على ألسنة جهات حكومية، ولا هو توجه رسمي، لكنه يحيل إلى رواسب ثقافية وسياسية قديمة تضع الجزائر كخصم لمحيطها الإقليمي، وأنها دولة محورية ويفترض أن البقية أقل منها وزنا وأهمية، وعليهم ألا يفكروا في تحديها، ولو في مجال الرياضة.
وقادت هذه العقلية إلى توترات سابقة مع تونس من خلال سلوكات تتجدد كل مرة من مثل فرض إجراءات مشددة على المسافرين التونسيين على الحدود واحتجاز البعض لفترات وانتزاع السلع التي اشتروها من الجزائر ضمن رحلات سياحة يومية بين البلدين.
وهناك مشكلة أخرى، وهي قياس التفاعل والتعاون من الجزائريين مع محيطهم على موقف بلدان مثل تونس وموريتانيا من الصراع بين الجزائر والمغرب، الذي يفترض أن يظل صراعا ثنائيا ويتم عزل تأثيراته، بدلا من تحويله إلى صراع مغاربي.
من المفيد أن تتقبل الجزائر هزيمة منتخبها أمام الفريق الموريتاني في الكأس الأفريقية بخليط من إحباط الخسارة العابرة والفرح، لأن الفريق الموريتاني صار قادرا على المنافسة، وانضم عنصر جيد يغذي التنافس ويساهم في التطوير.
وبدلا من الحديث عن مؤامرة تتم في كواليس «الكان» لإخراج الجزائر مبكرا، كان يفترض البحث في أسباب الانسحاب الجزائري للمرة الثانية على التوالي من «الكان» بالرغم من كونه أحد المرشحين الأساسيين، وعدم ترشحه لكأس العالم. فإذا تكرر الفشل لم يعد من الممكن الحديث عن مفاجأة، أو عدم توفيق.
هناك أسباب تتعلق بعصبية المدرب واستثنائه بعض اللاعبين الناجحين والمؤثرين لمزاج شخصي مثل بالرحمة أو إبراهيمي، وهناك أسباب تتعلق باستقدام لاعبين لا ينشطون في بطولاتهم، أو ينشطون لفترات محدودة ولياقتهم البدنية متواضعة، وقد بدا ذلك واضحا في الملعب، فضلا عن أولئك الذين ينشطون في بطولات ضعيفة فنيا وفقدوا مؤهلاتهم.
ففوز المنتخب الجزائري بكأس أفريقيا مرة أو اثنتين، لا يعني دائما أنه الأولى بها، فهناك فرق كبرى في القارة تمتلك قدرات أكبر من قدرات اللاعبين الجزائريين، ومن حقها أن تفوز بالكأس، وما على الجزائريين سوى العودة إلى مستواهم لينافسوا من موقع متقدم كما فعلوا في السابق.
كرة القدم عادلة، فمن يستعد أكثر ويوفر شروط النجاح المختلفة، فإنه يحقق المكسب. ومن يدخل المنافسة في وضع غير ملائم تكون النتيجة على قدر العزم. كما أن هناك كأسا واحدة لا يمكن أن يفوز بها الجميع في نفس الوقت.
والأمر نفسه ينطبق على الدول المغاربية الأخرى مثل تونس التي لم تكن في مستوى يسمح لها بالعبور إلى دوري الثمانية. فالتحليل المنطقي يفضي إلى ذلك، والأسباب كثيرة. لكن لا يجب أن يتحول الانسحاب إلى قضية أمن قومي ليسود العويل وخطاب جلد الذات والبحث عن أكباش فداء، والنبش في الماضي، ومحاولة «تسييس الهزيمة» من خلال ربطها بالوضع الحالي أو بالعشرية السابقة.
إن ربط الرياضة بالتوظيف السياسي يمنع المسؤولين في الدولة أو في اتحادات كرة القدم من الوقوف على حقيقة الأزمة لتفكيكها ثم البحث لها عن حلول. الاحتماء بالسياسيين يغطي على الفساد الرياضي بصوره المختلفة، وينشر خطاب المظلومية، الذي يجعل اللاعبين والمسيرين يلجأون إلى الاحتجاج على التحكيم باستمرار مستبطنين أن ثمة مؤامرة وجهة نافذة تتدخل لتغيير النتيجة كما يحدث في بعض البلدان التي تحتمي فيها فرق كبرى بالسلطة لتحقيق مكاسب لا تستحقها.
تحتاج كرة القدم أن تخرج من دائرة التسييس كليا وينظر إليها كقطاع مستقل شبيه بالقطاعات الاقتصادية المنتجة التي تحقق نتائج إيجابية اعتمادا على التخطيط والاستثمار والتفاني في العمل. مع الإشارة إلى أن القطيعة مع التسييس لا تعني رفع الدولة يدها عن الرياضة والاستثمار فيها لكونها قطاعا حيويا مهما يمكن أن يحقق ما تعجز عنه قطاعات أخرى تضخ فيها الدول الكثير من المال.
سيطرة السياسة على كرة القدم تحولها إلى نار يمكن أن تحرق صاحبها، كما يمكن أن تحرق علاقاته الإقليمية، لأنها تغذي التعصب والاستعلاء وتجعل جمهور الكرة في وضع استنفار من السهل استدراجه للعنف بدلا من تعويده على قبول النتائج الرياضة بصدر رحب.

الكاتب : مختار الدبابي - بتاريخ : 29/01/2024