الحراك التعليمي وإعلاء مصلحة التلميذ

فدوى رجواني
خاضت الشغيلة التعليمية إضرابا وصف بأنه الأطول و”الأعنف” في تاريخ المغرب الحديث، هذا الإضراب وإن اختلفنا حول طريقة تدبيره وأفق مطالبه، يظل مشروعا ومقنعا من حيث الأسباب والدوافع، فلا يمكن تقبل فكرة الاشتغال دون رؤية واضحة لعدد ساعات العمل ونوعية المهام، كما لا يمكن إخضاع التطور المهني للأستاذ لسلطة المدير بذلك الشكل الذي جاءت به الصيغة المرفوضة من النظام الأساسي، من غير المنطقي كذلك أن تشمل الزيادة في الأجور كل المتدخلين في القطاع وتستثني هيئة التدريس التي هي عصب العملية التعليمية والمعني المباشر بمصير المتعلمين، «الحكرة» التي شعر بها الأساتذة كانت إذن النتيجة الحتمية لإخراج نظام أساسي تم التكتم على كل أطوار صياغته وتبرأت منه حتى النقابات الأكثر تمثيلية واصفة ما قام به الوزير المشرف على القطاع بالتسرع بإصداره في الجريدة الرسمية دون موافقتها النهائية، حيث خاطب أحد قاداتها، في جلسة عمومية لمجلس المستشارين، الوزير قائلا «ماشي هادشي علاش اتفقنا».
عبارة كانت كافية لتشعر الشغيلة التعليمية أن حتى النقابات لا تقوى على حماية ظهرها من تغول حكومة وضعت جيوب الطبقة المتوسطة نصب أعينها وهدفا لكل مخططاتها التفقيرية، غير مكترثة بمصير ملايين من أبناء المغاربة الذين تحتضنهم المدرسة العمومية، والتي على علاتها، تشكل بالنسبة لهم الوسيلة الوحيدة لأي ترقي اجتماعي مستقبلا.
دخل الأساتذة في إضراب بمطالب لا اختلاف حولها وإجماع منقطع النظير وتعاطف كبير من الشارع والإعلام وآباء التلاميذ لدرجة خروج بعضهم في المسيرات للتعبير عن مصداقية المعركة وضرورة إنصاف من يحمل مهمة تعليم أبنائهم.
كشف هذا الحراك التعليمي على أن القطاع مازال قادرا على خوض معارك نقابية كبيرة وأنه مازال يضم طليعة من المناضلين والمناضلات القادرين على الفعل الاحتجاجي السلمي والمنظم، داحضا أسطورة نهاية النضال الأستاذي والقدرة على التحكم به وتوجيهه..
قبل أن يحدث ما لم يكن في الحسبان، فعند أول اختلاف حول تدبير المعركة خصوصا بعد قرار تجميد النظام الأساسي ووضع تاريخ محدد لإخراج صيغة نهائية معدلة وفق مطالب الشغيلة، ظهرت جيوش من الأساتذة انخرطت في معركة مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات وأفكار صادمة، فضحت ضحالة المستوى لدى بعض غير يسير ممن يفترض أنهم خيرة رجال ونساء البلد، أخطاء بالجملة وأفكار عدوانية واندفاعية غير معقولة ورفض للاختلاف والرأي الآخر، تخوين وسب وشتم مرعب، ناهيك عن بروز مطالب مضحكة أحيانا، حتى يكاد يعتقد المطلع عليها أن من فكر فيها يفتقد لأي فهم عن ماهية الوظيفة العمومية عموما والتعليم خاصة، مطالب يستقيها أحيانا من دول لا تستقيم المقارنة بين وضعها المادي وعدد سكانها وبين وضع بلادنا وتعداد ساكنتها، وأحيانا أخرى من القطاع الخاص الذي له خصوصيته وامتيازاته التي تعاكس في وجهها الآخر تمسك الأساتذة بالاستقرار الذي تمنحه الوظيفة العمومية، جهل تام بالتشريع المدرسي وبالقوانين المؤطرة لوظيفة الأستاذ، إضافة إلى غياب أي تصور معقول وموضوعي لمسار المعركة، أفقها، تدبير التفاوض، تسطير مطالب ذات أولوية والأهم من كل هذا وذاك إعلاء مصلحة التلميذ التي لم يعد أحد يتحدث عنها مع أنها هي الأصل في كل ما يحدث، هذه المصلحة التي يجب أن يستحضرها السادة الأساتذة أكثر من غيرهم، أكثر من المسؤولين الحكوميين أنفسهم، الذين يظلون، في السياق الحالي، بعيدين جدا عن هموم المغاربة في الطبقات المتوسطة والدنيا وأكثر من أولياء الأمور المغلوبين على أمرهم ونحن نعلم أكثر من غيرنا، أن رواد المدرسة العمومية اليوم هم أبناء وبنات الطبقات المسحوقة في الغالبية العظمى، آباؤهم وأمهاتهم مشغولون حد الاستنزاف بتوفير حاجياتهم الحياتية الأولية ولعل إضراب الأساتذة وفر عليهم مصاريف جعلتهم لا يحتجون بشكل كبير على وجود أبنائهم خارج أسوار المدرسة لكل هذا الوقت..
كل هذا أدى إلى ما نشهده اليوم من نهاية مأساوية لمعركة بدأت بوحدة الصف ضد الهجمات المتكررة على المدرسة العمومية وانتهت إلى إحساس بالإحباط والتشرذم وتوقيفات غير مقبولة لمجموعة من الأساتذة يوجدون اليوم في وضع مؤسف جعلت كل المطالب تختزل في مطلب إلغاء التوقيفات، ونسينا جميعا أن الحكومة كانت قد وضعت تاريخ 15 يناير للإعلان عن الصيغة المعدلة من النظام الأساسي وها هي تخلف الوعد مرة أخرى والشغيلة في وضع لا يسمح لها بالعودة إلى الإضراب وإحباط كبير بين صفوفها وهي المطالبة بإنقاذ الموسم الدراسي ولست أدري كيف لمحبط إنقاذ أي شيء..
الكاتب : فدوى رجواني - بتاريخ : 23/01/2024